شرح الجامع الصحيح لابن بطال

باب صوم يوم الجمعة

          ░63▒ بَاب: صَوْمِ يَوْمِ الْجُمُعَةِ.
          وَإِذَا أَصْبَحَ صَائِمًا يَوْمَ الْجُمُعَةِ فَعَلَيْهِ أَنْ يُفْطِرَ، يعني إِذَا لَمْ يَصُمْ قَبْلَهُ، وَلا يُرِيدُ أَنْ يَصُومَ بَعْدَهُ.
          فيه: جَابِرٌ: (نَهَى النَّبيُّ صلعم عَنْ صَوْمِ يَوْمِ الْجُمُعَةِ). [خ¦1984]
          وفيه: أَبُو هُرَيْرَةَ قَالَ: (سَمِعْتُ النَّبيَّ ◙ يَقُولُ: لا(1) يَصُومَنَّ أَحَدُكُمْ يَوْمَ الْجُمُعَةِ إِلَّا يَوْمًا قَبْلَهُ أَوْ بَعْدَهُ). [خ¦1985]
          وفيه: أَبُو أَيُّوبَ (دَخَلَ النَّبيُّ صلعم على جُوَيْرِيَةَ يَوْمَ الْجُمُعَةِ وَهِيَ صَائِمَةٌ، فَقَالَ: أَصُمْتِ أَمْسِ؟ قَالَتْ: لا، قَالَ: أتُرِيدِينَ أَنْ تَصُومِي(2) غَدًا؟ قَالَتْ: لا، قَالَ: فَأَفْطِرِي، وأَمَرَهَا فَأَفْطَرَتْ(3)). [خ¦1986]
          اختلف العلماء في صيام يوم الجمعة، فنهت طائفة عن صومه إلَّا أن يُصام قبله أو بعده على ما جاء في هذه الآثار، رُوي هذا القول عن أبي هريرة وسلمان، ورُوي عن أبي ذرٍّ وعليِّ بن أبي طالبٍ أنَّهما قالا: إنَّه يوم عيد وطعام وشراب فلا ينبغي صيامه، وهذا قول ابن سيرين والزُّهريِّ، وبه قال أحمد وإسحاق، ومنهم من قال: يفطر(4) ليقوى على الصَّلاة في ذلك اليوم، ورُوي ذلك عن النَّخَعِيِّ، كما قال ابن عمر: لا يصام(5) يوم عرفة بعرفة من أجل الدُّعاء.
          وأجازت طائفة صيامه، رُوي(6) عن ابن عبَّاسٍ أنَّه كان يصوم يوم الجمعة ويواظب عليه، وقال مالك: لم أسمع أحدًا من أهل العلم والفقه ممَّن يقتدى به ينهى عن صيام يوم الجمعة،(7) وصيامه حسن، وقد رأيت بعض أهل العلم يصومه، وأراه كان يتحرَّاه، وقيل: إنَّه ابن المنكدر.
          وقال(8) الشَّافعيُّ: لا يبين(9) أنَّه نهى عن صوم(10) يوم الجمعة إلَّا على الاختيار، وقد رُوي عن ابن مسعودٍ أنَّه(11) قال(12): ((مَا رَأَيتُ النَّبيَّ صلعم يُفطِرُ يَومَ الجُمُعَةِ)) رواه شيبان عن عاصم، عن زرٍّ، عن عبد الله. ورواه شعبة عن عاصم فلم يرفعه، فهي علَّة فيه. وروى ليث بن سُلَيم، عن عمير بن أبي عمير، عن ابن عمر أنه قال: ((مَا رَأَيتُ رَسُولَ اللهِ صلعم مُفطِرًا يَومَ جُمُعَةٍ قَطُّ)) وليث ضعيف، وأحاديث النَّهي أصحُّ.
          وأكثر الفقهاء على الأخذ بأحاديث الإباحة لأنَّ الصَّوم عمل برٍّ، فوجب ألَّا يمنع عنه إلَّا(13) بدليلٍ لا معارض له.
          قال المُهَلَّب: ويحتمل أن يكون نهيه عن صيام يوم الجمعة _والله أعلم_ خشية أن يستمر النَّاس على صومه(14) فيفرض عليهم، كما خشي من صلاة اللَّيل(15)، فقطعه لذلك، وخشي أن يلتزم النَّاس من تعظيم يوم الجمعة ما التزمه اليهود والنَّصارى في يوم السَّبت والأحد من ترك العمل والتَّعظيم، فأمر بإفطاره، ورأى أنَّ قطع الذَّرائع أعظم أجرًا(16) من إتمام ما نوى صومه لله.
          وذكر الطَّحاويُّ قال: روى ابن وهب عن معاوية بن صالح، عن أبي بشرٍ، عن عامر بن لُدَين الأشعريِّ أنَّه سأل أبا هريرة عن صيام يوم الجمعة فقال: على الخبير وقعت، سمعت رسول الله صلعم يقول: ((إِنَّ يَومَ الجُمُعَةِ عِيدُكُم، فَلَا تَجعَلُوا يَومَ عِيدِكُم يَومَ صِيَامِكُم إِلَّا أَنْ تَصُومُوا(17) قَبلَهُ أَو بَعدَهُ)). فكره رسول الله صلعم أن يُقصد إليه بعينه بصوم للتَّفرقة بينه وبين شهر رمضان وسائر الأيَّام لأنَّ فريضة الله في رمضان بعينه وليس كذلك سائر الأيَّام، والله أعلم.


[1] في (م): ((فيه أبو هريرة قال النبي صلعم: لا)) وبعدها في (ز): ((يصوم)) والمثبت من (م).
[2] في (م): ((تصومين)).
[3] قوله: ((وأمرها فأفطرت)) ليس في (م).
[4] في (م): ((يفطره)).
[5] في (م): ((ابن عمر: ولا يصام)).
[6] زاد في (م): ((ذلك)).
[7] قوله: ((ويواظب عليه، وقال مالك:...... يوم الجمعة)) ليس في (م).
[8] في (م): ((قال)).
[9] زاد في (م): ((لي)).
[10] في (م): ((صيام)).
[11] قوله: ((أنه)) ليس في (م).
[12] زاد في (م): ((قلَّ)).
[13] في (م): ((أن لا يمتنع منه إلا)).
[14] في (م): ((صيامه)).
[15] زاد في (م): ((أن تفرض عليهم)).
[16] في (م): ((أمرًا)).
[17] في (م): ((تصومنَّ)).