شرح الجامع الصحيح لابن بطال

باب: إذا أفطر في رمضان ثم طلعت الشمس

          ░46▒ بابُ: إِذَا أَفْطَرَ في رَمَضَانَ ثُمَّ طَلَعَتِ الشَّمْسُ.
          فيه: أَسْمَاءُ قَالَتْ(1): (أَفْطَرْنَا على عَهْدِ رَسُولِ اللهِ(2) صلعم يَوْمَ غَيْمٍ، ثُمَّ طَلَعَتِ الشَّمْسُ). قِيلَ لِهِشَامٍ بن عروة: فَأُمِرُوا بِالْقَضَاءِ؟ قَالَ: بُدٌّ(3) مِنَ القَضَاءٍ؟ وَقَالَ مَعْمَرٌ: سَمِعْتُ هِشَامًا، لا أَدْرِي أَقَضَوْا أَمْ لا. [خ¦1959]
          جمهور العلماء يقولون بالقضاء في هذه المسألة، وقد رُوي ذلك عن عُمَر بن الخطَّاب من رواية أهل الحجاز وأهل العراق، فأمَّا رواية أهل الحجاز فروى ابن جُريج، عن زيد بن أسلم، عن أبيه قال: أفطر النَّاس في شهر رمضان في يوم غيمٍ ثمَّ طلعت الشَّمس، فقال عمر: الخطب يسيرٌ وقد اجتهدنا، نقضي يومًا، هكذا قال ابن جُريج عن(4) زيد بن أسلم عن أبيه وهو متَّصلٌ.
          ورواية مالكٍ في «الموطَّأ» عن زيد بن أسلم عن أخيه أنَّ عمر وهي(5) مرسلةٌ، لأنَّ خالد بن أسلم أخا زيد لم يدرك عمر، وأمَّا رواية أهل العراق فروى الثَّوريُّ، / عن جَبَلَة بن سُحَيم عن عليِّ(6) بن حنظلة، عن أبيه أنَّه شهد عمر، فذكر القصَّة وقال: يا هؤلاء، من كان أفطر فإنَّ قضاء يوم يسير، وجاءت رواية أخرى عن عمر أنَّه قال(7): لا قضاء عليه.
          روى معمر عن الأعمش عن زيد بن أسلم(8) قال: أفطر النَّاس في زمن عمرٍ، فطلعت الشَّمس فشقَّ ذلك على النَّاس فقالوا(9): تقضي هذا اليوم؟ فقال عمر(10): ولمَ نقضي(11)؟! والله ما تجانفنا الإثم(12). والرِّواية الأولى أولى بالصَّواب، وقد رُوي القضاء عن ابن عبَّاس ومعاوية، وهو قول عطاء ومجاهد والزُّهريِّ ومالك والثَّوريِّ وأبي حنيفة والشَّافعيِّ وأحمد وأبي ثورٍ، وقال الحسن البصريُّ: لا قضاء عليه كالنَّاسي، وهو قول إسحاق وأهل الظَّاهر.
          وحجَّة من أوجب القضاء إجماع العلماء أنَّه لو غُمَّ هلال رمضان فأفطروا، ثمَّ قامت البيِّنة برؤية الهلال أنَّ عليهم القضاء بعد إتمام صيامهم(13).
          وقال المُهَلَّب: ومن حجَّتهم أيضًا قول الله تعالى: {ثُمَّ أَتِمُّوا الصِّيَامَ إلى الَّليْلِ}[البقرة:187]، ومن أفطر ثمَّ طلعت الشَّمس فلم يتمَّ الصِّيام إلى اللَّيل كما أمره الله فعليه القضاء من أيَّام أُخر بنصِّ كتاب الله.
          قال ابن القصَّار: يحتمل(14) ما رُوي عن عمر أنَّه قال(15): لا نقضي، والله ما تجانفنا الإثم(16)، أن يكون ترك القضاء إذا لم يعلم ووقع الفطر على الشَّكِّ، وتكون الرِّواية عنه بثبوت القضاء إذا وقع الفطر في النَّهار بغير شكٍّ.
          قال المؤلِّف: وقد ذكرنا في مسألة الَّذي يأكل وهو يشكُّ في الفجر من جعله بمنزلة من أكل وهو يشكُّ في غروب الشَّمس، ومن فرَّق بين ذلك في باب قوله تعالى: {وَكُلُوا وَاشْرَبُوا} الآية(17)[البقرة:187[خ¦1917] وفرَّق ابن حبيبٍ بين من أكل وهو يشكُّ في الفجر وبين من أكل وهو يشكُّ في غروب الشَّمس، وأوجب القضاء للشَّاكِّ في غروب الشَّمس، واحتجَّ بأنَّ الأصل بقاء النَّهار فلا يأكل حتَّى يوقن بالغروب، والأصل في الفجر بقاء اللَّيل فلا يمسك عن(18) الأكل حتى يوقن بالنَّهار، وبهذا قال المخالفون لمالكٍ في هذا الباب.


[1] قوله: ((قالت)) ليس في (م).
[2] في (م): ((النبي)).
[3] كذا في النسخ، وفي الصحيح ((لا بد)).
[4] في (ز): ((وعن)) والمثبت من (م).
[5] في (م): ((هي)).
[6] قوله: ((عن علي)) زيادة من (م)، وليس في (ص).
[7] قوله: ((قال)) ليس في (م).
[8] في (م): ((وهب)).
[9] في (م): ((وقالوا)).
[10] قوله: ((فقال عمر)) ليس في (ص).
[11] في (ز): ((نقض)) والمثبت من (م)، غير واضحة في (ص).
[12] في (م): ((لإثم)).
[13] في (م): ((صيام يومهم)).
[14] في (م): ((ويحتمل)).
[15] قوله: ((قال)) ليس في (م).
[16] في (م): ((إثمًا)).
[17] في (م): ((حتى يتبين لكم الخيط الأبيض من الخيط الأسود)).
[18] قوله: ((عن)) زيادة من (م)، وليس في (ص)