شرح الجامع الصحيح لابن بطال

باب: شهرا عيد لا ينقصان

          ░12▒ باب: شَهْرَا عِيدٍ لا يَنْقُصَانِ. /
          فيه: أَبو بَكْرَةَ: (قَالَ النَّبيُّ صلعم: شَهْرَا عِيدٍ لا يَنْقُصَانِ: رَمَضَانُ، وَذُو الْحَجَّةِ). [خ¦1912]
          اختلف العلماء في تأويل هذا الحديث على وجهين، فذكر(1) أحمد بن عَمْرو البزَّار أنَّ معناه: لا ينقصان جميعًا في سنة واحدة.
          قال المُهَلَّب: وقد روى زيد بن عقبة عن سَمُرة بن جُنْدب عن النَّبيِّ صلعم أنَّه قال: ((شَهرَا عِيدٍ لَا يَكُونَانِ ثَمَانِيةً وَخَمسِينَ يَومًا)).
          والوجه الثَّاني قال المُهَلَّب: معناه أنَّه لا ينقص عند الله تعالى(2) أجر العاملين فيهما، وإن كانا ناقصين في العدد.
          قال الطَّحاويُّ: وقد دفع قوم التَّأويل الأوَّل(3)، قالوا: لأنَّا قد وجدناهما ينقصان في أعوام، ويجتمع ذلك في كلِّ واحد منهما فدفعوا ذلك بهذا، وبحديث رسول الله أنَّه قال: ((صُومُوا(4) لِرُؤيَتِهِ، وأَفطِرُوا لِرُؤيَتِهِ، فَإِنْ غُمَّ عَلَيكُم فُعدُّوا ثَلاثِينَ))، وبقوله: ((إنَّ الشَّهرَ قَدْ يَكُونُ تِسعًا(5) وعِشرِينَ وَيَكُونَ ثَلاثِينَ))، فأخبر أنَّ ذلك جائز في كلِّ شهر من الشُّهور، إذ لم يخصَّ بذلك شهرًا(6) من سائر الشُّهور، فدلَّ(7) أنَّ شهر رمضان وذي الحجَّة وما سواهما قد يكونان(8) تسعًا وعشرين، وقد يكونان ثلاثين، فثبت بذلك أنَّ معنى قوله: (شَهْرَا عِيدٍ لا يَنْقُصَانِ)، ليس على نقصان العدد، ولكنَّه على نقصان الأحكام، والوجه عندنا أنَّهما لا ينقصان وإن كانا تسعًا وعشرين(9) فهما(10) شهران كاملان، لأنَّ في أحدهما الصِّيام وفي الآخر الحجِّ، والأحكام في ذلك متكاملة غير ناقصة، ويدلُّ(11) على ذلك قوله ◙: ((مَنْ صَامَ رَمَضَانَ إِيمَانًا واحتِسَابًا غُفِرَ لَهُ مَا تَقَدَّمَ مِنْ ذَنبِهِ))، فمن صامه ناقصًا أو تامًّا كان أجره واحدًا.
          قال المؤلِّف(12): فإن قال قائل: إن كان أراد بقوله ◙: (لا يَنْقُصَانِ(13)) من الأجر والحكم(14) وإن كانا ناقصين في العدد، فإنَّا نجد رمضان يُصام كلُّه، فيكون مرَّة تامًّا ومرَّة ناقصًا، ونقصانه في آخره، وذو الحجَّة إنَّما يقع الحجُّ(15) في العشر الأوَّل منه، فلا حرج على أحدٍ في نقصانه ولا تمامه، لأنَّ(16) العبادة منه في أوَّله خاصَّةً.
          قيل: قد يكون في أيَّام الحجِّ من النُّقصان والإغماء مثل ما يكون في آخر رمضان، وذلك أنَّه قد يُغمى هلال(17) ذي القعدة ويقع(18) فيه غلطٌ بزيادة يومٍ أو نقصان يومٍ فإذا كان ذلك، وقع وقوف النَّاس بعرفة من(19) اليوم الثَّامن من ذي الحجَّة ومرَّة اليوم العاشر منه، وقد اختلف العلماء في ذلك، فقالت طائفةٌ: من وقف بعرفة بخطأ شامل لجميع أهل الموقف في يوم قبل يوم عرفة أو بعده أنَّه(20) مجزئ عنه، لأنَّهما لا ينقصان عند الله من أجر المتعبَّدين بالاجتهاد، كما لا(21) ينقص أجر رمضان النَّاقص، وهو قول عطاء والحسن وأبي حنيفة والشَّافعيِّ.
          واحتجَّ أصحاب الشَّافعيِّ(22) على جواز ذلك بصيام من الْتَبسَتْ عليه الشُّهور أنَّه جائزٌ أن يقع صيامه قبل رمضان أو بعده(23)، قالوا: كما يُجزئ حجُّ من وقف بعرفة قبل يوم عرفة أو بعده، وروى يحيى بن يحيى، عن ابن القاسم أنَّهم إن أخطؤوا ووقفوا بعد يوم عرفة يوم النَّحر(24) يجزئهم، وإن قدَّموا الوقوف يوم التَّروية أعادوا الوقوف من الغد ولم يجزئهم(25)، وهذا يخرج على أصل مالك فيمن التبستْ عليه الشُّهور فصام رمضان ثمَّ تبيَّن له أنَّه أوقعه بعد رمضان أنَّه يجزئه، ولا يجزئه إذا أوقعه قبل رمضان، كمن اجتهد وصلَّى قبل الوقت أنَّه لا يجزئه.
          وقد قال بعض العلماء: إنَّه لا يقع وقوف النَّاس(26) اليوم الثَّامن أصلًا(27)، لأنَّه لا يخلو من(28) أن يكون الوقوف برؤية أو بإغماء(29)، فإن كان برؤية وقفوا اليوم التَّاسع، وإن كان بإغماء وقفوا اليوم العاشر(30).


[1] في (م): ((فيذكر)).
[2] زاد في (م): ((من)).
[3] زاد في (م): ((بالعيان)).
[4] في (م): ((وبقول النبي صلعم: صوموا)).
[5] في (م): ((تسعة)).
[6] في (م): ((بذلك شهورًا بأعيانها)).
[7] زاد في (م): ((على)).
[8] في (م): ((يكون)).
[9] قوله: ((وقد يكونان ثلاثين، فثبت بذلك أن معنى...... وإن كانا تسعًا وعشرين)) ليس في (م).
[10] في (م): ((وهما)).
[11] في (م): ((ودل)).
[12] في (م): ((غيره)).
[13] في (م): ((إن كان المعنى: لا ينقصان)).
[14] قوله: ((والحكم)) ليس في (م).
[15] زاد في (م): ((فيه)).
[16] زاد في (م): ((موضع)).
[17] في (م): ((على)).
[18] في (م): ((فيقع)).
[19] في (م): ((مرة)).
[20] في (م): ((فإنه)).
[21] في (م): ((لم)).
[22] في (م): ((واحتج أصحابه)).
[23] في (م) لعلها: ((وبعده)).
[24] زاد في (م): ((أنه)).
[25] في (م): ((التروية لم يجزئهم وأعادوا الوقوف من الغد)).
[26] في (م): ((وقوفهم)).
[27] زاد في (م): ((قال)).
[28] قوله: ((من)) ليس في (م).
[29] في (م): ((أو إغماء)).
[30] في (م): ((وقفوا العاشر يوم النحر)).