شرح الجامع الصحيح لابن بطال

باب ما يذكر من صوم النبي وإفطاره
  
              

          ░53▒ باب: مَا يُذْكَرُ في صِيامِ(1) النَّبيِّ صلعم وَإِفْطَارِهِ.
          فيه: ابْنُ عَبَّاسٍ قَالَ(2): (مَا صَامَ النَّبيُّ صلعم شَهْرًا كَامِلا قَطُّ غَيْرَ رَمَضَانَ، وَيَصُومُ حَتَّى يَقُولَ الْقَائِلُ: لا وَاللهِ لا يُفْطِرُ، وَيُفْطِرُ حَتَّى يَقُولَ(3): لا وَاللهِ لا يَصُومُ). [خ¦1971]
          وفيه: أَنَسٌ: (كَانَ رَسُولُ اللهِ صلعم يُفْطِرُ مِنَ الشَّهْرِ حَتَّى نَظُنَّ أَلَّا يَصُومَ مِنْهُ، وَيَصُومُ حَتَّى نَظُنَّ أَلَّا يُفْطِرَ مِنْهُ شَيْئًا(4)، وَكَانَ لا تَشَاءُ تَرَاهُ مِنَ اللَّيْلِ مُصَلِّيًا إِلَّا رَأَيْتَهُ، وَلا نَائِمًا إِلَّا رَأَيْتَهُ) الحديث. [خ¦1972]
          قال المُهَلَّب: في هذه الأحاديث من الفقه أنَّ النَّوافل ليس لها أوقاتٌ معلومةٌ، وإنَّما يُراعى فيها وقت النَّشاط لها والحرص عليها. وفيه أنَّ النَّبيَّ ◙ لم يلتزم(5) سرد الصِّيام الدَّهر كلَّه، ولا سرد الصَّلاة اللَّيل كلَّه، رفقًا بنفسه وأمَّته لئلَّا يُقتدى به في ذلك فيجحف بهم، وإن كان قد أُعطي ◙ من القوَّة في أمر الله ما لو التزم الصَّعب منه لم ينقطع عنه فركب من العبادة الطَّريقة الوسطى، فصام وأفطر وقام ونام، وبهذا أوصى عبد الله بن عَمْروٍ حين أراد التَّشديد على نفسه في العبادة فقال: ((إِنَّكَ لَا تَستَطِيعُ ذَلِكَ، فَصُم وَأَفطِر، وَقُم وَنَم))، فكان إذ(6) كبُر يقول: يا ليتني قبلت رخصة رسول الله صلعم.
          وقوله: (مَا مَسِسْتُ حَرِيرَةً أَلْيَنَ مِنْ كَفِّ رَسُولِ اللهِ صلعم). فهذا يدلُّ على كمال فضائل رسول الله صلعم خَلْقًا وخُلقًا، وأمَّا طيب رائحته فإنَّما طيَّبها الله لمباشرته الملائكة ومناجاته لهم، وقول ابن عبَّاسٍ: ((إِنَّ النَّبيَّ صلعم مَا صَامَ شَهرًا كَامِلًا قَطُّ(7) غَيرَ رَمَضَانَ))، يشهد لحديث أبي النَّضر عن أبي سلمة عن عائشة بالصِّحة، وهما مبيِّنان لرواية يحيى بن أبي كثير عن أبي سلمة، عن عائشة ((أَنَّهُ ◙ كَانَ يَصُومُ شَعبَانَ كُلَّهُ))، أنَّ المراد بذلك أكثره على ما جاء في حديث محمَّد بن إبراهيم وابن أبي لَبِيد(8) جميعًا عن أبي سلمة المذكورين في الباب قبل هذا [خ¦1969] [خ¦1970].

[1] في (م): ((من صوم)).
[2] قوله: ((قال)) ليس في (م).
[3] زاد في (ص): ((القائل)).
[4] قوله: ((منه شيئًا)) ليس في (م).
[5] في (ز) و(ص): ((يلزم)) والمثبت من (م).
[6] في (م): ((إذا)).
[7] في (م): ((قط كاملًا)).
[8] في (م): ((شيبة)).