شرح الجامع الصحيح لابن بطال

باب سواك الرطب واليابس للصائم

          ░27▒ باب: السِوَاكِ الرَّطْبِ وَالْيَابِسِ لِلصَّائِمِ.
          وَيُذْكَرُ عَنْ عَامِرِ بْنِ رَبِيعَةَ: (رَأَيْتُ النَّبيَّ صلعم يَسْتَاكُ وَهُوَ صَائِمٌ مَا لا أُحْصِي، أَوْ أَعُدُّ).
          وَقَالَتْ عَائِشَةُ عَنِ النَّبيِّ صلعم: (السِّوَاكُ مَطْهَرَةٌ لِلْفَمِ، مَرْضَاةٌ لِلرَّبِّ). وَقَالَ عَطَاءٌ وَقَتَادَةُ: يَبْتَلِعُ رِيقَهُ.(1)
          وَقَالَ أَبُو هُرَيْرَةَ عَنِ النَّبيِّ صلعم(2): (لَوْلا أَنْ أَشُقَّ على أُمَّتِي لأمَرْتُهُمْ بِالسِّوَاكِ عِنْدَ كُلِّ وُضُوءٍ). وَيُروى نَحْوُهُ عَنْ جَابِرٍ(3) وَزَيْدِ بْنِ خَالِدٍ عَنِ النَّبيِّ صلعم وَلَمْ يَخُصَّ الصَّائِمَ مِنْ غَيْرِهِ.
          وفيه(4): عُثْمَان أَنَّه تَوَضَّأَ وَأَفْرَغَ(5) على يَدَيْهِ ثَلاثًا، ثُمَّ تَمَضْمَضَ وَاسْتَنْثَرَ. الحديث. [خ¦1934]
          واختلف(6) العلماء في السِّواك للصَّائم في كلِّ وقت من النَّهار، فأجازه الجمهور، قال مالك: إنَّه سمع أهل العلم لا يكرهون السِّواك للصَّائم في أيِّ ساعات النَّهار شاء، غدوة وعشيَّة، ولم يسمع(7) أحدًا من أهل العلم يكره ذلك ولا ينهى عنه، وقد رُوي ذلك عن عائشة وابن عمر وابن عبَّاس(8)، وبه قال النَّخَعِيُّ وابن سيرين وعروة(9) والحسن، وإليه ذهب أبو(10) حنيفة وأصحابه، وقال عطاء: أكرهه بعد الزَّوال إلى آخر النَّهار من أجل الحديث في خلوف فم الصَّائم، وهو قول مجاهد، وإليه ذهب الشَّافعيُّ وأحمد وإسحاق وأبو ثور، وحجَّة القول الأوَّل(11) ما نزعه(12) البخاريُّ من قوله ◙: (لَوْلا أَنْ أَشُقَّ على أُمَّتِي لأمَرْتُهُمْ بِالسِّوَاكِ عِنْدَ كُلِّ وُضُوءٍ)، وهذا يقتضي إباحته في كلِّ وقت، وعلى كلِّ حال، لأنَّه لم يخصَّ الصَّائم من غيره، وهذا احتجاج حسن لا مزيد عليه(13).
          واختلفوا في السِّواك بالعود الرَّطب للصَّائم، فرخَّصت فيه طائفة، رُوي ذلك عن ابن عمر وإبراهيم وابن سيرين وعروة، وهو قول أبي حنيفة والثَّوريِّ والأوزاعيِّ والشَّافعيِّ وأبي ثورٍ، وكرهت طائفةٌ السِّواك الرَّطب، رُوي عن الشَّعبيِّ ذلك(14) وقَتادة والحكم، وهو قول مالك(15)، والحجَّة لمن أجاز الرَّطب أمره ◙ بالسِّواك عند كلِّ وضوء، كما لم يخصَّ الصَّائم من غيره بالإباحة(16)، / كذلك لم يخصَّ السِّواك الرَّطب(17) من غيره بالإباحة، فدخل في عموم الإباحة كلُّ جنس من السِّواك رطبًا و يابسًا(18)، ولو افترق حكم الرَّطب واليابس في ذلك لبيَّنه ◙، لأنَّ الله فرض عليه البيان لأمَّته، وحديث عثمان في الوضوء(19) حجَّةٌ واضحةٌ في ذلك(20)، وهو انتزاع ابن سيرين حين قال: لا بأس بالسِّواك الرَّطب، قيل: له طعم، قال: والماء له طعم وأنت تتمضمض به، وهذا لا انفكاك منه، لأنَّ الماء أرقُّ من ريق المتسوِّك وقد أباح الله المضمضة بالماء في الوضوء للصَّائم، وإنَّما كرهه من كرهه خشية من ألَّا(21) يعرف أن يحترس من ازدراد ريقه(22)، قال ابن حبيب: من استاك بالأخضر ومجَّ من فيه ما اجتمع في(23) فيه فلا بأس(24) عليه، ولا بأس به للعالم الَّذي يعرف كيف يتَّقي ذلك، ومن وصل من ريقه إلى حلقه(25) فعليه القضاء.


[1] قوله: ((وَقَالَتْ عَائِشَةُ عَنِ النبي.... يَبْتَلِعُ رِيقَهُ)) أتى في (م) بعد قوله الآتي: ((ولم يخص صائمًا من غيره)).
[2] قوله: ((عن النبي صلعم)) زيادة من (م).
[3] في (ز): ((خالد)) والمثبت من (م).
[4] في (م): ((فيه)).
[5] في (م): ((فأفرغ)).
[6] في (م): ((اختلف)).
[7] في (م): ((وعشية، قال ولم أسمع)).
[8] في (م): ((وقد روي عن ابن عباس وعائشة وابن عمر)).
[9] صورتها في (ز): ((والعروة))، في (م): ((النخعي وعروة وابن سيرين)).
[10] في (م): ((وهو قول أبي)).
[11] قوله: ((الأول)) زيادة من (م).
[12] في (م): ((ما نزع به البخاري)).
[13] زاد في (م): ((واحتج ابن المنذر بهذا الحديث في إباحة السواك للمحرم، وقال: هو داخل في عموم هذا الحديث، قال: ولا أعلم أحدًا من أهل العلم منع المحرم من السواك)).
[14] في (م): ((روي ذلك عن الشعبي)).
[15] زاد في (م): ((وأحمد وإسحاق)).
[16] قوله: ((رأيتُ عثمان بن أبي العاص بعرفة وهو صائم......كما لم يخصَّ الصَّائم من غيره بالإباحة)) الورقة ليست في الخطوط (ص).
[17] في (م): ((اليابس)).
[18] في (م): ((أو يابسًا)).
[19] زاد في (م): ((أيضًا)).
[20] قوله: ((في ذلك)) زيادة من (م)، وليس في (ص).
[21] في (م): ((خشية على من لا))، وفي (ص): ((كرهه من لا)).
[22] في (م): ((من ازدراده)).
[23] قوله: ((فيه)) ليس في (م).
[24] في (م): ((شيء)).
[25] زاد في (م): ((شيء)).