شرح الجامع الصحيح لابن بطال

باب: هل يقال رمضان أو شهر رمضان؟ومن رأى كله واسعًا

          ░5▒ باب: هَلْ يُقَالُ رَمَضَانُ، أَوْ شَهْرُ رَمَضَانَ، وَمَنْ رَأَى ذلك كُلَّهُ وَاسِعًا.
          وَقَالَ(1) صلعم: (مَنْ صَامَ رَمَضَانَ)، وَقَالَ: (لا(2) تَقَدَّمُوا رَمَضَانَ).
          فيه: أَبُو هُرَيْرَةَ قَالَ: (قَالَ(3) النَّبيُّ صلعم: إِذَا جَاء(4) رَمَضَانَ، فُتِّحَتْ أَبْوَابُ السَّمَاءِ، وَغُلِّقَتْ أَبْوَابُ جَهَنَّمَ، وَسُلْسِلَتِ الشَّيَاطِينُ). [خ¦1898]
          وفيه: ابْنُ عُمَرَ قَالَ: (قَالَ(5) النَّبيُّ صلعم: إِذَا رَأَيْتُمُوهُ فَصُومُوا، وَإِذَا رَأَيْتُمُوهُ فَأَفْطِرُوا، فَإِنْ غُمَّ عَلَيْكُمْ فَاقْدُرُوا لَهُ(6)، يعني هِلالِ رَمَضَانَ). [خ¦1900]
          قال ابن النَّحاس: كان عطاء ومجاهد يكرهان أن يُقال: رمضان، قالا: وإنَّما نقول ما(7) قال الله تعالى: {شَهْرُ رَمَضَانَ}[البقرة:185]، لأنَّا لا ندري لعلَّ رمضان اسم من أسماء الله.
          قال(8): وهذا قولٌ ضعيفٌ، لأنَّ النَّبيَّ(9) صلعم قال: (رَمَضَانَ)، بغير شهرٍ، فقال: (مَنْ صَامَ رَمَضَانَ)، و (لَا تَقَدَّمُوا رَمَضَانَ)، والأحاديث كثيرة في ذلك(10).
          وأبواب السَّماء في هذا الحديث يُراد بها أبواب الجنَّة بدليل قوله في الحديث: (وَغُلِّقَت أَبوَابُ جَهَنَّم)، وقد تبيَّن هذا المعنى في رواية مالك عن عمِّه أبي سهيل بن مالك عن أبيه عن أبي هريرة أنَّه قال: ((إِذَا دَخَلَ(11) رَمَضَانَ فُتِّحَت أَبَوابُ الجنَّةَ، وغُلِّقَت أَبوَابُ النَّارِ، وصُفِّدَتِ الشَّياطِينُ))، وهذا حجَّةٌ في أنَّ الجنَّة(12) في السَّماء، وتأويل(13) العلماء في قوله: (فُتِّحَت أَبوَابُ الجَنَّةِ وسُلسِلَتِ الشَّياطِينُ)، معنيين(14)، أحدهما: أنَّهم يسلسلون على الحقيقة، فيقلُّ أذاهم ووسوستهم ولا يكون ذلك منهم كما هو في غير رمضان، وفتح(15) أبواب الجنَّة على ظاهر الحديث.
          والثَّاني: على المجاز، ويكون المعنى في فتح باب(16) الجنَّة ما فتح الله على العباد فيه من الأعمال المستوجب بها الجنَّة من الصَّلاة والصِّيام وتلاوة القرآن، وأنَّ الطَّريق إلى الجنَّة في رمضان(17) أسهل والأعمال فيه أسرع إلى القبول(18)، وكذلك أبواب النَّار تُغلَّق بما قطع عنهم من المعاصي، وترك الأعمال المستوجب بها النَّار، ولقلَّة ما يُؤاخذ الله العبادَ بأعمالهم السَّيِّئة، يستنفذ منها ببركة الشَّهر قومًا(19) ويهب المسيء للمحسن، ويتجاوز عن السَّيِّئات، فهذا معنى الغلق. وكذلك قوله: (سُلسِلَتِ الشَّياطِينُ)، يعني(20) أنَّ الله يعصم فيه المسلمين أو أكثرهم في الأغلب عن(21) المعاصي والميل إلى وسوسة الشَّياطين وغرورهم، ذكره(22) الدَّاوديُّ والمُهَلَّب.
          واحتجَّ المُهَلَّب لقول من جعل المعنى على الحقيقة فقال: ويدلُّ على ذلك ما يُذكر(23) من تغليل الشَّياطين ومرَدتهم بدخول أهل المعاصي كلِّها في رمضان في طاعة الله، والتَّعفف عما كانوا عليه من الشَّهوات وذلك(24) دليل بيِّن.


[1] زاد في (م): ((النبي)).
[2] في (م): ((رمضان ولا)).
[3] قوله: ((قال)) ليس في (م).
[4] في (م): ((دخل)).
[5] قوله: ((قال)) ليس في (م).
[6] قوله: ((وَإِذَا رَأَيْتُمُوهُ فَأَفْطِرُوا، فَإِنْ غُمَّ عَلَيْكُمْ فَاقْدُرُوا لَهُ)) ليس في (م).
[7] في (م): ((كما)).
[8] قوله: ((قال)) ليس في (م).
[9] في (م): ((لأنا وجدنا النبي)).
[10] قوله: ((فقال: (من صام رمضان)، ولا.... كثيرة في ذلك)) ليس في (م). وبدله في (م): ((في آثار هذا الباب وغيرها)).
[11] في (م): ((إذا جاء)).
[12] قوله: ((في أن الجنة)) زيادة من (م).
[13] في (م): ((وتأول)).
[14] في (م): ((بمعنين)).
[15] في (م): ((وتفتح)).
[16] في (م): ((أبواب)).
[17] في (م): ((الطريق في رمضان إلى الجنة)).
[18] في (م): ((فيه إلى القبول أسرع)).
[19] في (م): ((أقوامًا)).
[20] في (م): ((يريد)).
[21] في (م): ((من)).
[22] في (م): ((ذكر ذلك)).
[23] في (م): ((يرى)).
[24] في (م): ((فذلك)).