شرح الجامع الصحيح لابن بطال

باب صوم يوم عرفة.

          ░65▒ باب: صَوْمِ يَوْمِ عَرَفَةَ.
          فيه: أُمُّ الْفَضْلِ: (أَنَّ النَّاسَ تَمَارَوْا(1) عِنْدَهَا يَوْمَ عَرَفَةَ في صَوْمِ النَّبيِّ صلعم فَأَرْسَلَتْ إِلَيْهِ بِقَدَحِ لَبَنٍ، وَهُوَ وَاقِفٌ على بَعِيرِهِ، فَشَرِبَهُ). [خ¦1988]
          وفيه: مَيْمُونَةُ: (أَنَّ النَّاسَ شَكُّوا في صَومِ(2) النَّبيِّ صلعم يَوْمَ عَرَفَةَ، فَأَرْسَلَتْ إِلَيْهِ بِحِلابٍ، وَهُوَ وَاقِفٌ في الْمَوْقِفِ، فَشَرِبَ مِنْهُ، وَالنَّاسُ يَنْظُرُونَ). [خ¦1989]
          قال ابن المنذر: ثبت أنَّ النَّبيَّ صلعم أفطر يوم عرفة، ورُوي عنه أنَّ صوم يوم(3) عرفة يكفِّر سنتين، رواه الثَّوريُّ عن منصور، عن مجاهد، عن حرملة بن إياس الشَّيبانيِّ، عن أبي قَتادة: أنَّ رسول الله صلعم سُئل عن صيام يوم عرفة فقال: ((يُكَفِّرُ(4) سَنَتَينِ: سَنَةً مَاضِيَةً، وَسَنَةً مُستَأخِرَةً))، ورواه شعبة عن غيلان بن جرير، عن عبد الله بن مَعْبَد الزِّمَّانيِّ، عن أبي قَتادة.
          واختلفوا في صوم يوم عرفة بعرفة، فقال ابن عمر: لم يصمه النَّبيُّ ◙ ولا أبو بكر ولا عمر ولا عثمان، ولا(5) أصومه. وقال ابن عبَّاسٍ يوم عرفة: لا يصحبنا أحدٌ يريد الصِّيام، فإنَّه يوم تكبيرٍ وأكلٍ وشربٍ. واختار مالك وأبو حنيفة والثَّوريُّ الفطر، وقال عطاء: من أفطر يوم عرفة ليتقوَّى به على الذِّكر كان له مثل أجر الصَّائم، وكان ابن الزُّبير وعائشة يصومان يوم عرفة، وكان الحسن يعجبه صوم يوم عرفة، ويأمر به الحاجَّ، وقال: رأيت عثمان بعرفة(6) في يومٍ شديد الحرِّ وهو صائمٌ(7) وهم يروِّحون عنه(8)، وكان أسامة بن زيد وعروة بن الزُّبير والقاسم بن محمَّد وسعيد بن جبير يصومون بعرفة(9)، وقال قَتادة: لا بأس بذلك إذا لم يضعف عن الدُّعاء، وقال الشَّافعيُّ: أحبُّ صيام يوم عرفة لغير الحاجِّ، فأمَّا من حجَّ فأحبُّ أن يفطر(10) ليقوى به(11) على الدُّعاء، وقال عطاء: أصومه في الشِّتاء، ولا أصومه في الصَّيف.
          قال الطَّبريُّ: وإنَّما أفطر ◙ بعرفة ليدلَّ على أنَّ الاختيار في ذلك الموضع للحاجِّ الإفطار دون الصَّوم كيلا يضعف عن الدُّعاء، وقضاء ما لزمه(12) من مناسك الحجِّ، وكذلك من كره صومه من السَّلف فإنَّما كان لما بيَّنَّاه من إشارتهم إلى الأفضل(13) من نفل الأعمال على ما هو دونه، وإبقاء على نفسه ليتقوَّى بالإفطار على الاجتهاد في العبادة، ومن آثر صومه أراد أن يفوز بثواب صومه لقوله ◙: ((لِلجَنَّةِ بَابٌ يُدعَى الرَّيَّانَ، لَا يَدخُلُ مِنهُ إِلَّا الصَّائِمُونَ)).
          وقال المُهَلَّب: في(14) شربه ◙ اللَّبن يوم عرفة أنَّ العيان أقطع الحجج وأنَّه فوق الخبر، وقد قال ◙: ((لَيسَ الخَبرُ كَالمُعَايَنَةِ)).
          وفيه أنَّ الأكل والشُّرب في المحافل مباح(15) / إذا كان لتبيين معنًى، أَوْ دَعَت إليه ضرورة، كما فعل يوم الكَدِيد إذا علم بما يريد بيانه من سنَّته ◙، وفيه جواز قبول الهديَّة من النِّساء، ولم يسألها إن كان مِن مالها أو مِن(16) مال زوجها، إذا(17) كان هذا المقدار لا يتشاحُّ النَّاس فيه.


[1] في (م) صورتها: ((اتماروا)).
[2] في (م): ((صيام)).
[3] قوله: ((يوم)) ليس في (م).
[4] في (م): ((كفارة)).
[5] في (م): ((وأنا لا)).
[6] في (م): ((بعرفات)).
[7] في (م): ((الحر صائمًا)).
[8] في (م): ((عليه)).
[9] في (م): ((بعرفات)).
[10] في (م): ((يفطره)).
[11] في (م) تحتمل: ((ليقويه)).
[12] في (م): ((ما ألزمه الله تعالى)).
[13] في (م): ((من إيثارهم الأفضل)).
[14] في (م): ((قال المهلب وفي)).
[15] قوله: ((والإعلام بمواهبه، وأن لا يجحد نعمه.........وفيه أنَّ الأكل والشُّرب في المحافل مباح)) الورقة ليست في المخطوط (ص).
[16] قوله: ((من)) ليس في (م).
[17] في (م): ((إذ)).