شرح الجامع الصحيح لابن بطال

باب حق الجسم في الصوم

          ░55▒ بابُ: حَقِّ الْجِسْمِ في الصَّوْمِ. /
          فيه: عبدُ اللهِ بْنُ عَمْرِو قَالَ لي رَسُولُ اللهِ(1) صلعم: (يَا عَبْدَ اللهِ(2)، أَلَمْ أُخْبَرْ أَنَّكَ تَصُومُ النَّهَارَ وَتَقُومُ اللَّيْلَ؟! فَقُلْتُ(3): بَلَى يَا رَسُولَ اللهِ(4)، قَالَ: فَلا تَفْعَلْ، صُمْ وَأَفْطِرْ، وَقُمْ وَنَمْ، فَإِنَّ لِجَسَدِكَ عَلَيْكَ حَقًَّا، وَإِنَّ لِعَيْنِكَ عَلَيْكَ حَقًَّا، وَإِنَّ لِزَوْجِكَ عَلَيْكَ حَقًّا، وَإِنَّ لِزَوْرِكَ عَلَيْكَ حَقًَّا، وَإِنَّ بِحَسْبِكَ(5) أَنْ تَصُومَ(6) كُلَّ شَهْرٍ ثَلاثَةَ أَيَّامٍ، فَإِنَّ لَكَ بِكُلِّ حَسَنَةٍ عَشْرَ أَمْثَالِهَا، فَإِذا ذَلِكَ صِيَامُ الدَّهْرِ كُلِّهِ(7)، فَشَدَّدْتُ فَشُدِّدَ عَلَيَّ، قُلْتُ: يَا رَسُولَ اللهِ إِنِّي أَجِدُ قُوَّةً، قَالَ: فَصُمْ صِيَامَ أَخْي(8) دَاوُدَ، وَلا تَزِدْ عَلَيْهِ، قُلْتُ: وَمَا صِيَامُ دَاوُدَ نَبِيِّ اللهِ؟ قَالَ(9): نِصْفَ الدَّهْرِ، فَكَانَ عبد اللهِ يَقُولُ: بَعْدَ مَا كَبِرَ: يَا لَيْتَنِي قَبِلْتُ رُخْصَةَ رسول الله صلعم). [خ¦1975]
          قال المُهَلَّب: وحقُّ(10) الجسم أن يترك فيه من القوَّة ما يستديم به العمل، لأنَّه إذا أجهد نفسه قطعها عن العبادة وفترت، وقد جاء في الحديث ((إِنَّ المُنبَتَّ لَا أَرضًا قَطَعَ ولَا ظَهرًا(11) أَبقَى))، وقال ◙: ((أَحَبُّ العَمَلِ إِلَى اللهِ مَا دَاوَمَ عَلَيهِ صَاحِبُهُ وَإِنْ قَلَّ))، وقال: ((اِكلَفُوا مِنَ العَمَلِ مَا تُطِيقُونَ))، فنهى ◙ عن التَّعمُّق في العبادة وإجهاد النَّفس في العمل خشية الانقطاع، ومتى دخل أحدٌ في شيءٍ من العبادة لم يصلح له الانصراف عنها، وقد ذمَّ الله تعالى من فعل ذلك بقوله: {وَرَهْبَانِيَّةً ابْتَدَعُوهَا مَا كَتَبْنَاهَا}الآية[الحديد:27]، فوبَّخهم(12) على ترك التَّمادي فيما دخلوا فيه، ولهذا قال عبد الله بن عَمْرو(13) حين ضعف عن القيام بما كان التزمه: ليتني قبلت رخصة رسول الله صلعم.


[1] في (م): ((قال النبي)).
[2] قوله: ((يا عبد الله)) ليس في (م).
[3] في (م): ((قلت)).
[4] قوله: ((يا رسول الله)) ليس في (م).
[5] في (م): ((وإن لعينيك عليك حقًا ولزوجك وزورك وبحسبك)).
[6] زاد في (ص): ((في)).
[7] قوله: ((كله)) ليس في (م).
[8] قوله: ((أخي)) ليس في (م).
[9] قوله: ((قُلْتُ: وَمَا صِيَامُ دَاوُدَ نَبِيِّ اللهِ؟ قَالَ)) ليس في (م).
[10] في (م): ((حق)).
[11] صورتها في (ز): ((أرضًا)).
[12] في (م): (({وَرَهْبَانِيَّةً ابْتَدَعُوهَا مَا كَتَبْنَاهَا عَلَيْهِمْ إِلَّا ابْتِغَاءَ رِضْوَانِ اللهِ فَمَا رَعَوْهَا حَقَّ رِعَايَتِهَا} فوبخهم)).
[13] في (ص): ((عمر)).