شرح الجامع الصحيح لابن بطال

باب وجوب صوم رمضان

          ░1▒ باب: وُجُوبِ صَوْمِ رَمَضَانَ، وَقَوْلِ اللهِ: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيَامُ} الآية(1)[البقرة:183].
          فيه: طَلْحَةُ بْنُ عُبَيْدِ اللهِ(2): (أَنَّ أَعْرَابِيًّا جَاءَ إلى الرَّسولِ(3) صلعم ثَائِرَ الرَّأْسِ فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللهِ، أخبرني مَاذَا(4) فَرَضَ اللهُ عَلَيَّ مِنَ الصَّلاةِ؟ قَالَ: الصَّلَوَاتِ الْخَمْسَ، إِلَّا أَنْ تَطَّوَّعَ شَيْئًا، / قَالَ: أخبرني بمَا فَرَضَ اللهُ عَلَيَّ مِنَ الصِّيَامِ؟ قَالَ: شَهْرَ رَمَضَانَ، إِلَّا أَنْ تَطَّوَّعَ شَيْئًا، قَالَ: أخبرني بِمَا فَرَضَ اللهُ عَلَيَّ مِنَ الزَّكَاةِ؟ فَأَخْبَرَهُ رَسُولُ اللهِ صلعم بِشَرَائِعَ الإسْلامِ، قَالَ: والَّذي أَكْرَمَكَ، بِالحَقِّ لا أَتَطَوَّعُ شَيْئًا، وَلا أَنْقُصُ مِمَّا افتَرَضَ(5) اللهُ عَلَيَّ شَيْئًا، فَقَالَ رَسُولُ اللهِ صلعم: أَفْلَحَ إِنْ صَدَقَ، أَوْ دَخَلَ الْجَنَّةَ إِنْ صَدَقَ). [خ¦1891]
          وفيه: ابنُ عمرَ: (صَامَ النَّبيُّ صلعم عَاشُورَاء وَأَمَرَ بِصِيَامِهِ، فَلَمَّا فُرِضَ رَمَضَانُ تَرَكَ، وَكَانَ عَبدُ اللهِ بنُ عُمَر(6) لا يَصُومُهُ إلَّا أنْ يُوَافِقَ صَومَهُ).
          وفيه: عائشةُ: (أنَّ قُريشًا كَانَتْ تَصُومُ عَاشُوراءَ في الجاهِلِيَّة، ثُمَّ أَمَرَ رَسُولُ اللهِ صلعم بِصِيامِهِ حَتَّى فُرض رَمَضَان، وقَالَ رسولُ اللهِ صلعم: مَنْ شَاءَ فَليصُمهُ، وَمَن شَاءَ فَليُفْطِره(7)).
          قال المؤلِّف(8): قوله تعالى: {كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيَامُ}[البقرة:183]، أي فُرض(9) كما فُرض على الَّذين من قبلكم، والكتاب في اللُّغة بمعنى الوجوب والفرض، قال الله تعالى: {كُتِبَ عَلَيْكُمُ الْقِصَاصُ}[البقرة:178]بمعنى(10) فُر ض، وقال ابن عبَّاس في هذه الآية قال: كان كتاب الصِّيام على أصحاب محمَّد أنَّ الرَّجل كان يأكل ويشرب وينكح ما بينه وبين أن يصلِّي العتمة أو يرقد، فإذا صلَّى العتمة أو رقد(11) مُنع من ذلك إلى مثلها من القابلة، فنسختها هذه الآية: {أُحِلَّ لَكُمْ لَيْلَةَ الصِّيَامِ الرَّفَثُ(12)}الآية[البقرة:187].
          ورُوي: أن صِرمَة بن مالك كان(13) شيخًا كبيرًا جاء إلى أهله وهو صائمٌ، فدعا بعشائه، فقالوا: أمهل حتَّى نجعل لك طعامًا سَخنًا تفطر عليه، فوضع الشَّيخ رأسه فنام، فجاءوا بطعامه، فقال: قد كنت نمت(14)، فلم يطعم، فبات ليلته يتسَّلق ظهرًا لبطن، فلمَّا أصبح أتى النَّبيَّ صلعم فأخبره فنزلت هذه الآية: {وَكُلُوا وَاشْرَبُوا حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَكُمُ الْخَيْطُ الأَبْيَضُ مِنَ الْخَيْطِ الأَسْوَدِ(15)}[البقرة:187].
          وجاء عُمَر(16) بن الخطَّاب فأراد أهله فقالت: إنَّها قد كانت نامت، فظنَّ أنَّها اعتلَّت عليه، فواقعها(17)، وفعل مثل ذلك كعب بن مالك، فذكر ذلك للنَّبيِّ(18) صلعم فنزلت: {عَلِمَ اللهُ أَنَّكُمْ كُنتُمْ تَخْتانُونَ أَنفُسَكُمْ}(19)، إلى قوله: {ثُمَّ أَتِمُّوا الصِّيَامَ إلى الَّليْلِ}[البقرة:187].
          وقد تقدَّم الكلام(20) في قوله: (واللهِ لَا أَزِيدُ عَلَى هَذا وَلَا أَنْقُص)، وقوله ◙: (أَفْلَحَ إِنْ صَدَقَ)، في كتاب الإيمان، فأغنى عن إعادته هاهنا(21). [خ¦46]
          قال المُهَلَّب: وفيه أنَّ أداء الفرائض يوجب الجنَّة، وأنَّ عمل السُّنن والرَّغائب يوجب الزِّيادة في الجنَّة.
          قال الطَّبريُّ: وأمَّا الآثار في صيام(22) عاشوراء، فإنَّ أهل العلم اختلفوا في حكم صومه اليوم، هل هو في فضله وعظيم ثوابه على(23) مثل ذلك الَّذي كان عليه قبل أن يفرض رمضان؟ فقالت طائفة: كان ذلك يومًا تصومه اليهود شكرًا لله على أن نجَّى موسى وبني إسرائيل من البحر وأغرق فرعون، فصامه(24) رسول الله صلعم وأمر بصومه، فلمَّا فُرض رمضان لم يأمر بصومه ولم ينه عنه، فمن شاء صامه ومن شاء تركه.
          وقال آخرون: لم يزل رسول الله صلعم يصومه ويحثُّ أمَّته على صومه حتَّى مضى بسبيله(25) ◙، رُوي هذا عن ابن عبَّاس قال: ما رأيت رسول الله صلعم يومًا يتحرَّى فضله إلَّا يوم عاشوراء وشهر رمضان.
          فإن قيل: فما وجه كراهية ابن عمر صومه؟ قيل: نظير كراهية من كره صوم(26) رجب، إذ كان شهرًا تعظمُّه الجاهليَّة، فكره أن يُعظَّم في الإسلام ما كان يُعظَّم في الجاهليَّة، من غير تحريم صومه على من صامه، ولا مؤيِّسه من(27) الثَّواب الَّذي وعد الله صائمه على لسان رسوله صلعم إذا صامه مبتغيًا بصومه ثواب الله، لا مريدًا به إحياء سنَّة أهل الشِّرك، وكذلك صوم رجب، وسيأتي بقيَّة القول في هذا المعنى في باب صوم عاشوراء بعد هذا إن شاء الله. [خ¦2007]


[1] في (م): ((يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيَامُ كَمَا كُتِبَ عَلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ)).
[2] قوله: ((بْنِ عُبَيْدِ اللهِ)) ليس في (م).
[3] في (م): ((رسول الله)).
[4] في (م): ((بما)).
[5] في (م): ((فرض)).
[6] قوله: ((ابن عمر)) ليس في (م).
[7] في (م): ((أفطره)).
[8] قوله: ((قال المؤلف)) ليس في (م).
[9] في (م): ((يعني فرض عليكم)).
[10] في (م): ((يعني)).
[11] في (م): ((ورقد)).
[12] زاد في (م): ((إلى نسائكم هن لباس لكم)).
[13] في (م): ((وكان)).
[14] في (م): ((صمت)).
[15] قوله: ((من الخيط الأسود)) ليس في (م). وبعدها: ((الآية)).
[16] في (ز): ((وجاء بن عمر)) والمثبت من (م).
[17] زاد في (م): ((فأخبرته أنها قد كان نامت)).
[18] في (م): ((لرسول الله)).
[19] زاد في (م): ((فتاب عليكم وعفى عنكم)).
[20] قوله: ((الكلام)) ليس في (م).
[21] في (م): ((إعادته هنا)).
[22] زاد في (م): ((يوم)).
[23] قوله: ((على)) ليس في (م).
[24] في (م): ((وصامه)).
[25] في (م): ((لسبيله)).
[26] زاد في (م): ((شهر)).
[27] في (م): ((مؤنسه عن))، و غير واضحة في (ز).