نجاح القاري لصحيح البخاري

حديث: بينما أنا نائم رأيتني في الجنة

          5227- (حَدَّثَنَا عَبْدَانُ) هو لقب عبد الله بن عثمان بن جَبَلة المروزي، قال: (أَخْبَرَنَا عَبْدُ اللَّهِ) هو: ابنُ المبارك المروزي (عَنْ يُونُسَ) هو: ابنُ يزيد الأيلي (عَنِ الزُّهْرِيِّ) محمد بن مسلم بن شهاب، أنَّه (قَالَ: أَخْبَرَنِي) بالإفراد (ابْنُ الْمُسَيَّبِ) أي: سعيد (عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ) ☺ / ، أنَّه (قَالَ: بَيْنَمَا نَحْنُ عِنْدَ رَسُولِ اللَّهِ صلعم جُلُوسٌ) جَمْعُ جالسٍ (فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلعم : بَيْنَمَا) بالميم، وفي رواية أبي ذرٍّ: <بينا> بغير ميم (أَنَا نَائِمٌ رَأَيْتُنِي) أي: رأيت نفسي (فِي الْجَنَّةِ) هذا يعيِّن أحد الاحتمالين في الحديث الذي قبله حيث قال فيه: دخلت الجنَّة أو أتيت الجنَّة، ويحتمل أنَّ ذلك كان في اليقظة أو في النَّوم، فبين هذا الحديث أنَّ ذلك كان في النَّوم (فَإِذَا) كلمة مفاجأة (امْرَأَةٌ تَتَوَضَّأُ إِلَى جَانِبِ قَصْرٍ) قال الكِرماني: إمَّا من الوضوء، وإمَّا من الوضاءة.
          وتعقَّبه العيني: بأنَّه لا وجه أن يكون من الوضاءة، وذكر ابنُ قتيبة في قوله: ((فإذا امرأة تتوضأ إلى جانبِ قصر)) فإذا امرأةٌ شوهاء إلى جانب قصر، من حديث ابنِ شهاب عن سعيد بن المسيَّب، وفسَّره وقال: الشَّوهاء الحسنة الرَّائقة، حدَّثني بذلك أبو حاتم عن أبي عبيدة قال: ويقال: فرسٌ شوهاء ولا يقال: فَرَسٌ أشوه، وقال في «المطالع»: رجل أشوَه وامرأة شوهاء؛ يعني: قبيحة، قال: ويقال أيضاً: الحسنة، وهو من الأضداد، والشَّوهاء أيضاً الواسعةُ الفم، وأيضاً الصَّغيرة الفم.
          وقال ابن بطَّال: يشبه أن تكون هذه الرِّواية هي الصَّواب، وتتوضَّأ تصحيف؛ لأنَّ الحور طاهرات لا وضوء عليهنَّ، فلذلك كلُّ من دخل الجنَّة لا يلزمه طهارة ولا عبادة، وحروفُ شوهاء يمكن تَصْحِيفها بحروف تَتَوضَّأ؛ لِقُربِ صورِ بعضها من بعض.
          وقال ابن التِّين: تتوضَّأ قيل: إنَّه تصحيف؛ لأنَّ الجنَّة لا تكليف فيها، وقد استدلَّ الدَّاودي بهذا الحديث على أنَّ الحور في الجنَّة يتوضأن ويصلين، ولا يلزم من كون الجنَّة لا تكليفَ فيها بالعبادات أن لا يصدرَ من أحد من العباد باختياره ما شاء من أنواع العبادات، قال ╡: {وَلَكُمْ فِيهَا مَا تَشْتَهِي أَنْفُسُكُمْ} [فصلت:31].
          (فَقُلْتُ: لِمَنْ هَذَا؟ قَالَ) أي: جبريل ◙، / وفي رواية أبي ذرٍّ عن الكُشْمِيْهَني: <قالوا> أي: جبريل ومن معه (هَذَا لِعُمَرَ، فَذَكَرْتُ غَيْرَتَهُ) بضمير الغائب، وفي رواية أبي ذرٍّ عن الكُشْمِيْهْنَي: <غيرتك> بكاف الخطاب (فَوَلَّيْتُ مُدْبِراً، فَبَكَى عُمَرُ) ☺ سروراً بما منحه الله تعالى أو تشوقاً إليه (وَهْوَ فِي الْمَجْلِسِ، ثُمَّ قَالَ: أَوَعَلَيْكَ يَا رَسُولَ اللَّهِ أَغَارُ) وسقط في رواية أبي ذرٍّ الهمزة والواو من قوله: ((أَوَعَلَيْك)).
          قال ابن بطَّال: يؤخذ من الحديث أنَّ من عَلِمَ من صاحبه خُلُقاً لا ينبغي أن يتعرض لمَّا يُنَافِرُه. انتهى، وفيه أنَّ من نُسِبَ إلى من اتَّصف بصفة صلاح ما يغاير ذلك يُنْكَرُ عليه، وفيه أنَّ الجنَّة موجودة، وكذلك الحور، وقد تقدَّم تقريرُ ذلك في بدء الخلق، وسائر فوائد الحديث تقدَّمت في مناقب عمر ☺ [خ¦3680]، ومطابقة الحديث للترجمة ظاهرةٌ، وقد مضى في باب ما جاء في صفة الجنَّة [خ¦3242]، وأخرجه مسلم في فضائل عمر بن الخطَّاب ☺.