نجاح القاري لصحيح البخاري

حديث: غارت أمكم

          5225- (حَدَّثَنَا عَلِيٌّ) هو: ابنُ عبد الله بن جعفر المديني، قال: (حَدَّثَنَا ابْنُ عُلَيَّةَ) بضم المهملة وفتح اللام وتشديد التحتية، هو: إسماعيلُ بن إبراهيم الأسدي البصري، وعُلَيَّة: اسم أمِّه، كانت مولاة لبني أسد (عَنْ حُمَيْدٍ) هو: ابنُ أبي حميد الطَّويل، أبو عبيدة البصري (عَنْ أَنَسٍ) ☺، تقدَّم في المظالم [خ¦2481] بيان من صرَّح عن حميد بسماعه عن أنس أنَّه (قَالَ: كَانَ النَّبِيُّ صلعم عِنْدَ بَعْضِ نِسَائِهِ) هي: عائشةُ ♦، كما تقدَّم في المظالم [خ¦2481] (فَأَرْسَلَتْ / إِحْدَى أُمَّهَاتِ الْمُؤْمِنِينَ) هي زينبُ بنت جحش، وقال الكِرمانيُّ: هي صفيةُ، وقيل: زينب، وقيل: أمُّ سلمة (بِصَحْفَةٍ) بفتح الصاد وسكون الحاء المهملتين، إناء كالقصعة المبسوطة ونحوها، ويُجْمَعُ على صِحَاف (فِيهَا طَعَامٌ، فَضَرَبَتِ الَّتِي النَّبِيُّ صلعم فِي بَيْتِهَا) وهي عائشةُ ♦ (يَدَ الْخَادِمِ) الذي جاء بالصَّحفة (فَسَقَطَتِ الصَّحْفَةُ) من يده (فَانْفَلَقَتْ) أي: فانشقَّت (فَجَمَعَ النَّبِيُّ صلعم فِلَقَ الصَّحْفَةِ) بكسر الفاء وفتح اللام، جمع فِلْقة، وهي القطعةُ، ككسرة وكسر (ثُمَّ جَعَلَ يَجْمَعُ فِيهَا الطَّعَامَ الَّذِي كَانَ فِي الصَّحْفَةِ، وَيَقُولُ) أي: للحاضرين عنده (غَارَتْ أُمُّكُمْ) أي: التي كسرت الصَّحْفَة، وهي: عائشة ♦، كما تقدَّم، وأغرب الدَّاودي حيث قال: المراد بقوله: ((أمكم)) سارة حيث غارتْ على هاجر، وكأنَّ معنى الكلام عنده: لا تتعجَّبوا ممَّا وقع من هذه من الغيرة، فقد غارت قبل ذلك أمكم حتى أخرجَ إبراهيم ◙ ولده إسماعيل ◙، وهو طفلٌ، مع أنَّه هاجر إلى وادٍ غير ذي زرع، وهذا وإن كان له بعض توجيه لكن المراد خلافه، وأنَّ المراد كاسرة الصَّحفة، وعلى ذلك حمله جميعُ من شرح هذا الحديث.
          (ثُمَّ حَبَسَ الْخَادِمَ حَتَّى أُتِيَ بِصَحْفَةٍ مِنْ عِنْدِ الَّتِي هُوَ فِي بَيْتِهَا، فَدَفَعَ الصَّحْفَةَ الصَّحِيحَةَ) أي: إلى الخادم فدفعها (إِلَى الَّتِي كُسِرَتْ) بضم الكاف (صَحْفَتُهَا، وَأَمْسَكَ) صلعم الصَّحفة (الْمَكْسُورَةَ فِي بَيْتِ الَّتِي كَسَرَتْ) ويروى: <كسرت فيه> بزيادة لفظة: فيه.
          قال الكِرماني: فإن قيل: القصعة ليست من المِثْلِيَّات بل هي من المُتَقَوَّمات قلت: كانت القصعتان لرسولِ الله صلعم ، فله التَّصرف كيف يشاءُ فيهما، قالوا: وفي الحديث إشارة إلى عدم مؤاخذة الغيرى بما يصدر منها؛ لأنَّها في تلك الحالة يكون عقلها محجوباً بشدَّة الغضب الذي أثارته الغيرة، وقد أخرج أبو يعلى، / بسندٍ لا بأس به، عن عائشة ♦ مرفوعاً: ((إنَّ الغيرى لا تبصر أسفل الوادي من أعلاه))، وعن ابنِ مسعود ☺ رَفَعَه: ((إنَّ الله كتبَ الغيرة على النِّساء، فمن صبرَ منهنَّ كان له أجر شهيد)) أخرجه البزَّار، وأشار إلى صحَّته ورجالُه ثقاتٌ، لكن اختلف في عبيد بن الصَّباح منهم.
          قال الحافظُ العسقلاني: وفي إطلاق الدَّاودي على سارة أنَّها أم المخاطبين نظر أيضاً، فإنَّهم إن كانوا من بني إسماعيل فأمُّهم هاجر لا سارة، ويبعد أن يكونوا من بني إسرائيل حتى يصحَّ أن أمَّهم سارة. انتهى. وفيه نظرٌ أيضاً.
          ومطابقة الحديث للترجمة في قوله: ((غارت أمُّكم)) وهو من أفراده.