نجاح القاري لصحيح البخاري

باب قول الله تعالى: {الرجال قوامون على النساء}

          ░91▒ (باب قَوْلِ اللَّهِ تَعَالَى: {الرِّجَالُ قَوَّامُونَ عَلَى النِّسَاءِ}) أي: يقومون عليهنَّ يأمرونهنَّ وينهونهنَّ، كما يقوم الولاة على الرَّعايا ({بِمَا فَضَّلَ اللَّهُ بَعْضَهُمْ عَلَى بَعْضٍ} [النساء:34]) أي: بسبب تفضيل الله بعضهم، وهم الرجال على بعض وهم النساء بالعقل والعزم والحزم والقوة والغزو وكمال الصوم والصلاة والنُّبوة والخلافة والإمامة والأذان والخطبة والجماعة وتضعيف الميراث والتَّعصيب فيه.
          (إِلَى قَوْلِهِ: {إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلِيًّا كَبِيرًا} [النساء:34]) يريد قولَه تعالى: {وَبِمَا أَنْفَقُوا مِنْ أَمْوَالِهِمْ} أي: وبسبب ما أخرجوا في نكاحهنَّ من أموالهم في المهور والنَّفقات {فَالصَّالِحَاتُ} أي: المحسنات لأزواجهنَّ {قَانِتَاتٌ} أي: مطيعاتٌ لله قائماتٍ بحقوقِ الأزواج {حَافِظَاتٌ لِلْغَيْبِ} / أي: لمواجب الغيب؛ أي: يحفظنَ في غيبة الأزواج ما يجبُ حِفْظُه في النَّفس والمال، وعنه صلعم : ((خير النِّساء امرأة إن نظرت إليها سرَّتك، وإن أَمَرْتَها أطاعتْك، وإن غبتَ عنها حفظتْك في مالها ونفسها)) وتلا الآيةَ. وقيل: لأسرارهم.
          {بِمَا حَفِظَ اللَّهُ} بحفظ الله إياهنَّ بالأمر على حِفْظِ الغَيب والحَثِّ عليه بالوعدِ والوعيدِ والتَّوفيق له، أو بالذي حفظَه الله لهنَّ عليهم من المهر والنَّفقة والقيام بحِفْظِهِنَّ والذَّبِّ عنهنَّ {وَاللَّاتِي تَخَافُونَ نُشُوزَهُنَّ} أي: عصيانهنَّ وترفعهنَّ عن مطاوعة الأزواج من النشز {فَعِظُوهُنَّ} أي: مروهنَّ بتقوى الله وطاعته {وَاهْجُرُوهُنَّ فِي الْمَضَاجِعِ} أي: في المراقد؛ فلا تُدْخِلُوهنَّ تحت اللِّحاف، أو لا تباشروهنَّ، فيكون كناية عن الجماع، وقيل: المضاجع: المبائت؛ أي: لا تُبايتوهنَّ، وقيل: المراد ترك الكلام، وأن يوليها ظهره {وَاضْرِبُوهُنَّ} يعني: ضربًا غير مبرِّح ولا شائنٍ ولا مهلك (1)، وهو ما يكون تأديبًا تزجر به عن النُّشوز، والأمور الثَّلاثة مُتَرتِّبةٌ ينبغي أن يدرج فيها.
          {فَإِنْ أَطَعْنَكُمْ} فيما يُلتمس منهنَّ {فَلَا تَبْغُوا عَلَيْهِنَّ سَبِيلًا} بالتَّوبيخ والإيذاء، والمعنى: فأزيلوا عنهنَّ التَّعرض، واجعلوا ما كان منهنَّ كأن لم يكن، فإنَّ التائبَ من الذَّنْبِ كمن لا ذنب له {إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلِيًّا كَبِيرًا} [النساء:34] فاحذروه فإنَّه أقدر عليكم منكم على من تحت أيديكم من نسائكم وعبيدكُم، أو إنه على علوِّ شأنِه يتجاوزُ عن سيئاتكُم ويتوبُ عليكم، فأنتم أحقُّ بالعفو عن أزواجكُم فاجتنبوا ظلمهنَّ. وقد سقط قوله: <{بِمَا فَضَّلَ اللَّهُ}>... إلى آخره في رواية أبي ذرٍّ.


[1] في هامش الأصل: وعن النبي صلعم: ((علق سوطك حيث يراه أهلك)). وعن أسماء بنت أبي بكر ☻: كنت رابعة أربع نسوة عند الزُّبير بن العوام فإذا غضب على إحدانا ضربها بعودِ المشجب حتى يكسره عليها، كذا في ((الكشاف)). المشجب: الخشبة التي تلقى عليها الثياب.