نجاح القاري لصحيح البخاري

باب غيرة النساء ووجدهن

          ░108▒ (بابُ غَيْرَةِ النِّسَاءِ) بفتح الغين المعجمة (وَوَجْدِهِنَّ) الوَجْد، بفتح الواو: الغضب، وقال الكِرمانيُّ: أي: غضبهنَّ وحزنهنَّ، وقال الجوهري: وَجَد عليه في الغضب مَوْجِدة، ووَجَد في الحزن وَجْداً، بالفتح، وقال ابنُ الأثير: يقال: وَجَدْت بفُلانة: إذا أحببتُها حبًّا شديداً، ولم يبين المصنِّف حكم الباب؛ لأنَّ ذلك يختلفُ باختلاف الأحوال والأشخاص، وأصلُ الغيرة غير مكتسب للنِّساء، لكن إذا أفرطتْ في ذلك بقدر زائدٍ عليه تلام، وضابطُ ذلك ما وردَ في الحديث الآخر عن جابر بن عَتيك الأنصاري ☺ رَفَعَه: ((إنَّ من الغيرة ما يحبُّ الله ومنها ما يبغضُ الله، فأمَّا الغيرة التي يحبُّ: فالغيرة في الرَّيبة، وأمَّا الغيرة التي يبغضُ: فالغيرةُ في غير ريبةٍ)).
          وهذا التَّفصيل في حق الرِّجال لضرورةِ امتناع اجتماع زوجين للمرأة بطريق الحِلِّ، وأمَّا المرأة فحيث غارتْ من زوجها في ارتكاب محرَّم إمَّا بالزِّنا مثلاً، وإمَّا بنقص حقِّها وجوره عليها لضَرَّتها وإيثارها عليها، فإذا تحقَّقت ذلك / أو ظهرت القرائنُ فيه فهي غير مشروعة، فلو وقع ذلك بمجرد التَّوهم عن غير دليلٍ فهي الغيرة في غيرة رِيبة، وأمَّا إذا كان الزَّوج مقسطاً عادلاً، وأدَّى لكلٍّ من الضَّرَّتين حقَّها، فالغيرة منهما إن كانت لما في الطِّباع البشرية التي لا يسلم منها أحدٌ من النِّساء، فتُعْذَّر فيها ما لم تتجاوز إلى ما يَحْرُّم عليها من قَوْلٍ أو فِعْلٍ، وعلى هذا يُحْمَلُ ما جاء عن السَّلف الصَّاِلحِ من النِّساء في ذلك.