نجاح القاري لصحيح البخاري

باب: {وأمهاتكم اللاتي أرضعنكم}

          ░20▒ (باب: {وَأُمَّهَاتُكُمُ اللاَّتِي أَرْضَعْنَكُمْ}) هو عطفٌ على قوله تعالى: {حُرِّمَتْ عَلَيْكُمْ أُمَّهَاتُكُمْ} [النساء:23] أي: وحرِّمت عليكم أمَّهاتكم اللَّاتي أرضعنَكُم هذه الترجمة وثلاث تراجم بعدها تتعلَّق بأحكام الرَّضاعة. قال الحافظُ العسقلاني: ووقع هنا في بعض الشُّروح: <كتاب الرضاعة> ولم أره في شيءٍ من الأصول. انتهى.
          (وَيَحْرُمُ مِنَ الرَّضَاعَة) وفي رواية أبي ذرٍّ عن الحَمُّويي والمُسْتَملي: <من الرَّضاع>. الرَّضاع: بفتح الراء وكسرها، اسم لِمَصِّ الثَّدي وشُرْبِ لبنه، وهذا جرى على الغالب الموافق للغة وإلَّا فهو اسمٌ لحُصول لبَنِ امرأة، أو ما حصل منه في جَوف طفلٍ، والأصلُ في تحريمهِ قبل الإجماع هذه الآية وهذا الحديث.
          (مَا يَحْرُمُ مِنَ النَّسَبِ) وهذا قطعةٌ من حديث عائشة ♦، أخرجه الجماعة إلَّا ابن ماجه واللَّفظ لمسلم: أنَّ عمَّها من الرَّضاع يسمَّى: أفلح، استأذنَ عليها فحجبته، فأخبرت رسول الله صلعم فقال لها: ((لا تحتجبي منه، فإنَّه يحرمُ من الرَّضاعة ما يحرمُ من النَّسب))، وفي لفظ الباقين: ((ما يحرمُ من الولادة))، وفي لفظ: ((ما يَحْرُمُ الولادة)).
          وأشار المصنِّف ☼ بقوله: ويحرم...إلى آخره إلى أنَّ الذي في الآية بعض من يَحْرُمُ بالرَّضاعة. وجعل ذلك سببًا للتَّحريم؛ لأنَّ جزءًا من المُرْضِعَة وهو اللَّبن صار جزءًا للرَّضيع باغتذائه به، فأشبه منيِّها وحَيضها، وأركانه ثلاثة: المرضع فيشترط كونها امرأة حيَّة بلغت من الحيض وإن لم تلد، فلا تحريمَ بلبن رجلٍ وخنثى، ولا بلبنِ بهيمة، ولا بلبنٍ انفصلَ عن ميتة. والثاني: اللَّبن فيثبت به التَّحريم وإن تغيَّر كالجبن والزبد أو عُجِنَ به دقيق، أو خالطه ماء أو مائعٌ وغلب اللَّبن على الخليطِ، وكذا لو كان مغلوبًا بحيث لم يبق من صفاتهِ الثَّلاث الطَّعم واللَّون والرِّيح حسًا وتقديرًا شيءٌ، فإنه يثبت به التَّحريم، لكن يشترطُ شرب الجميع وكون اللَّبن المخلوط مقدار ما لو كان منفردًا أثر في التَّحريم حتى قالت الشَّافعية: بحيث يمكن أن يسقى منه خمس دفعاتٍ فلا أثرَ له عندهم / دون خمسِ رضعاتٍ إلَّا إن حَكَم به حاكمٌ فلا يُنْقَضُ حُكمه، وموضِعُه كُتُبُ الفروع.