نجاح القاري لصحيح البخاري

باب الشروط في النكاح

          ░52▒ (باب الشُّرُوطِ فِي النِّكَاحِ) أي: الشُّروط التي تحلُّ وتعتبر فيه. وقال العيني: التي تُشْترطُ في عقد النِّكاح، وهي على أنواع، منها ما يختلف (1) الوفاء به كحُسْنِ العِشرة، ومنها ما لا يلزم كسؤال طلاق أختها، ومنها ما هو مختلفٌ فيه مثل أن لا يتزوَّج غيرها.
          (وَقَالَ عُمَرُ) ☺: (مَقَاطِعُ الْحُقُوقِ عِنْدَ الشُّرُوطِ) هذا تعليقٌ قد مرَّ في كتاب الشُّروط في باب ما لا يجوز من الشروط في النِّكاح [خ¦54/6-4249]، وفيه زيادة وهي قوله: ((ولك ما شرطت)).
          وقد أخرج هذا التَّعليقَ سعيدُ بنُ منصورٍ من طريق إسماعيل بن عُبيد الله، وهو: ابنُ أبي المهاجر عن عبد الرَّحمن بن غُنم بلفظ: قال: ((كنتُ مع عمر حيث تمس ركبتي ركبتهِ، فجاءه رجلٌ فقال: يا أمير المؤمنين، تزوَّجت هذه وشرطتُ لها دارها، وإني لأجمع لأمري أو لشأني أن أنتقلَ إلى أرض كذا وكذا، فقال له: شرطها فقال الرجل: هلكَ الرِّجال إذ لا تشاء امرأة أن تطلِّق زوجها إلَّا طلقت، فقال عمر ☺: المسلمون على شروطهم عند مقاطعِ حقوقهم)).
          وفي رواية كتاب الشُّروط من وجه آخر عن ابن أبي المهاجر نحوه، وقال في آخره: ((فقال عمر ☺: إنَّ مقاطع الحقوق عند الشُّروط ولها ما اشترطت)).
          والمقاطع: جمع مقطع أرادَ أنَّ المواضع التي تُقْطَعُ فيها الحقوقُ عند وُجودِ الشُّروط، وأراد به الشُّروطَ الواجبةَ، / فإنها يجبُ الوفاء بها، واختلف العلماء في الرَّجل يتزوَّج المرأة ويشترطُ لها أن لا يخرجها من دارها، أو لا يتزوَّج عليها، أو لا يتسرى، أو نحو ذلك من الشُّروط المباحة على قولين:
          أحدهما: أنَّه يلزمه الوفاء بذلك؛ ذَكَرَ عبدُ الرَّزاق وابنُ المنذر، عن عمر بن الخطاب ☺: ((أنَّ رجلًا شرط لزوجتهِ أن لا يخرجها، فقال عمر ☺: لها شرطها)). ثمَّ ذكرا عنه ما ذكره البخاري. وقال عَمرو بن العاص ☺: ((أرى أن يفيَ لها شرطها))، ورُوِيَ مثلُه عن طاوس وجابر بن زيد، وهو قولُ الأوزاعي وأحمد وإسحاق. وحكاه ابن التِّين عن ابن مسعود ☺ والزُّهري، واستحسنه بعضُ المتأخرين.
          والثاني: أن يؤمر الزوج بتقوى الله والوفاء بالشَّرط، ولا يحكم عليه بذلك حكمًا، فإن أبى إلَّا الخروج لها كان أحق النَّاس بأهله، وإليه ذهب عطاء والشَّعبي وسعيد بن المسيَّب، والنَّخعي، والحسن، وابن سيرين، وربيعة، وأبو الزِّناد، وقتادة، وهو قول مالك وأبي حنيفة، واللَّيث، والثَّوري، والشَّافعي. وقال عطاء: إذا شرطت أنك لا تنكح ولا تتسرى ولا تذهب ولا تخرج بها يبطلُ الشَّرط إذا نكحتها.
          وسيجيء بقية الكلام فيه في آخر الحديث إن شاء الله تعالى.
          (وَقَالَ الْمِسْوَرُ) بكسر الميم وسكون السين المهملة وفتح الواو، وفي رواية أبي ذرٍّ: <وقال المِسْوَر بن مَخْرَمَة> بفتح الميمين وسكون الخاء المعجمة وفتح الراء، هو: ابنُ نوفل القرشي الزُّهري، أبو عبد الرَّحمن، ولد بمكة بعد الهجرة بسنتين، وقُدِمَ به المدينةَ في عقب ذي الحجَّة سنة ثمان، وقُبِضَ النَّبيُّ صلعم وعمره ثمان سنين، وسَمِعَ من النَّبيِّ صلعم وحَفِظَ عنه، وبقيَ في المدينة إلى أن قُتِلَ عثمان ☺، ثمَّ انحدرَ إلى مكَّة فلم يزلْ بها حتى قَدِمَ الحصين بن نمير مكَّة لقتال ابن الزُّبير، وحاصر مكة وفي محاصرتهِ أهل مكة أصابه حجرٌ من حجارة المنجنيق وهو يصلِّي في الحِجر فقتلَه، وذلك في ربيع الأول سنة أربع وستين، وصلَّى عليه ابنُ الزُّبير بالحَجُون.
          (سَمِعْتُ النَّبِيَّ صلعم ذَكَرَ صِهْرًا لَهُ) وهو: أبو العاص / بن الرَّبيع بن عبد العزى بن عبد شمس بن عبد مناف بن قصي القرشي العبشمي، صهرُ رسول الله صلعم زوج ابنتهِ زينب أكبر بناته.
          واختُلِفَ في اسمه فقيل: لقيط، وقيل: مهشم، وقيل: هشيم، والأكثر: لقيط، وأمُّه: هالة بنت خويلد بن أسد أخت خديجة لأبيها وأمها، وكان أبو العاص فيمن شَهِدَ بدرًا مع كفَّار قريش، وأُسِرَ يومَ بَدْرٍ مع من أُسِرَ، فلمَّا بعث أهل مكَّة في فداء أساراهم قَدِمَ في فدائهِ أخوه عَمرو بن الرَّبيع بمالٍ دَفَعَتْه زينبُ بنت رسول الله صلعم ، وقصَّته مشهورة، وكان مؤاخيًا لرسول الله صلعم مصافيًا، وكان أَبَى أن يُطَلِّق زينبَ إذ مشى إليه مشركو قريش في ذلك، فشكرَ رسولُ الله صلعم مصاهرتَهُ وأثنى عليه بذلك خيرًا، وهاجرتْ زينبُ مسلمةً، وتركته على شِرْكهِ، ثمَّ بعد ذلك جرى عليه ما جرى، حتى أسلم بعد قدومهِ على النَّبي صلعم ، وردَّ رسول الله صلعم ابنته عليه، واختُلِفَ هل ردَّه بعَقْدٍ جديدٍ أو على عَقْدِه الأول، وتوفي في ذي الحجة سنة اثنتي عشرة.
          (فَأَثْنَى عَلَيْهِ فِي مُصَاهَرَتِهِ فَأَحْسَنَ) أي: في الثناء عليه (قَالَ: حَدَّثَنِي فَصَدَقَنِي) بتخفيف الدال، من صدق الحديث إذا كان صادقًا في حديثه، ويقال أيضًا: صدق في الحديث من الصِّدق؛ خلاف الكذب، وأمَّا صدَّقني، بالتشديد، فهو الذي يصدقك في حديثك (وَوَعَدَنِي فَوَفَى لِي) وفي رواية أبي ذرٍّ عن الكُشْمِيْهَني: <فوفاني> بالنون بدل اللام، من وَفَى الشَّيءَ وأَوْفَى وَوَفَّى بمعنى، وَوَفى الشَّيءُ: إذا تمَّ، وأصل الوفاءِ: التمام.
          ومطابقته للترجمة من حيث إنَّه صلعم أثنى على صهرهِ لأجل وفائه بما شرطَ له.


[1] في هامش الأصل: في نسخة: ما يتخلف.