نجاح القاري لصحيح البخاري

باب ما يكره من التبتل والخصاء

          ░8▒ (بابُ مَا يُكْرَهُ مِنَ التَّبَتُّلِ) على صيغة التَّفَعُّل، من التَّبل، وأصله الانقطاعُ من قولهم: بَتَلتُ الشَّيء أَبْتِله، من باب ضَرَبَ: إذا قطعتَه، والمراد بالتَّبتل هنا: الانقطاع عن النِّساء، وتركُ التَّزويج وما يتبعه من الملاذ إلى العبادة. وأمَّا المأمور به في قوله تعالى: {وَتَبَتَّلْ إِلَيْهِ تَبْتِيلًا} [المزمل:8] فالمرادُ به الانقطاع إليه تعالى والتَّعبد، وقد فسَّره مجاهد فقال: أخلصْ له إِخلاصًا، وهو تفسيرُ معنى وإلَّا فالأصل التَّبتل الانقطاع. والمعنى: انقَطِعْ إليه انقطاعًا، لكن لما كانت حقيقة الانقطاع إلى الله تعالى إنما تقعُ بإخلاص العبادةِ له فسَّرها بذلك، ومنه صدقة بَتْلَة؛ أي: منقطعةٌ عن المِلْك، ومريم البتول؛ لانقطاعها عن التَّزويج إلى العبادة، وقيل لفاطمة ♦ البتول: إمَّا لانقطاعها عن الأزواج غير عليٍّ ☺، أو لانقطاعها عن نظرائها في الحُسْنِ والشرف.
          (وَالْخِصَاءِ) بكسر الخاء المعجمة وبالمد، وهو الشَّق على الأنثيين وانتزاعهما، مصدرٌ خصيتُ الفحل: إذا سللتُ خصيتيهِ فهو خَصِي، بفتح أوله، والجَمْعُ خِصيانٌ وخِصْيَةٌ، وإنَّما قال: ما يُكْرَه من التَّبتل والخصاء؛ للإشارة إلى أنَّ الذي يُكْرَه من التَّبتل هو الَّذي يُفْضِي إلى التَّنطع، وتحريمِ ما أحلَّ الله وليس التَّبتلُ من أصله مكروهًا، وعَطَفَ الخصاءَ عليه؛ لأنَّ بعضَه يجوز في الحيوان المأكول، كما تقدَّم.