نجاح القاري لصحيح البخاري

الترغيب في النكاح

          ░1▒ (بابُ التَّرْغِيبِ فِي النِّكَاحِ لِقَوْلِهِ تَعَالَى) وفي رواية أبي ذرٍّ: <لقول الله ╡> ({فَانْكِحُوا مَا طَابَ لَكُمْ مِنَ النِّسَاءِ} [النساء:3]) زاد الأَصيليُّ وأبو الوقت: <الآية> ووجه الاستدلال بالآية أن الأمر يقتضي الطَّلب، وأقلُّ درجاتهِ النَّدب فيثبت الترغيب.
          وقال القرطبيُّ: لا دَلالة فيه؛ لأنَّ الآية سيقتْ لبيان ما يجوز الجمع بينه من أعداد / النِّساء. انتهى. كذا قرَّره الحافظ العسقلاني.
          وقال العيني: والقولُ باقتضاءِ الطَّلَبِ كلامُ مَنْ لم يذقْ شيئًا من الأصول، فإنَّ الأمرَ فيه أمرُ إباحةٍ، كما في قوله تعالى: {وَإِذَا حَلَلْتُمْ فَاصْطَادُوا} [المائدة:2] وهل يقال: طلب الله منه النِّكاح أو طلب الصَّيد؟ بل معناه أباح النِّكاح بالعدد المذكور، وأباح الصَّيد بعد التَّحليل من الإحرام، ثمَّ بنى هذا القائل على هذا الكلام الواهي قوله: وأقلُّ درجاتهِ النَّدب فيثبتُ التَّرغيب، فليُتَأمَّل.
          ويحتمل أن يكون البخاريُّ انتزعَ ذلك من الأمر بنكاحِ الطَّيِّب بطريق إشارة النَّص مع ورود النَّهي عن ترك الطَّيِّب، ونسبة فاعلهِ إلى الاعتداء في قوله تعالى: {لَا تُحَرِّمُوا طَيِّبَاتِ مَا أَحَلَّ اللَّهُ لَكُمْ وَلَا تَعْتَدُوا} [المائدة:87].
          وقد اختلف في النِّكاح هل هو عبادة: فقال الشَّافعي: ليس بعبادةٍ، ولهذا لو نذرَه لم يَنْعَقِد. وقالت الحنفيَّة: هو عبادةٌ، والتَّحقيق أن الصُّورة التي يُسْتَحَبُّ فيها النِّكاح، كما سيأتي بيانه، تكون عبادةً، فمن نَظَرَ إليه في حدِّ ذاته نَفَى، ومن نَظَرَ إلى الصُّورة المخصوصة أَثْبَتَ، والله تعالى أعلم.
          وقال داود وأتباعه من أهل الظَّاهر: إنَّه فرضُ عينٍ على القادر على الوطءِ والإنفاق؛ تمسُّكًا بالآية، وقوله صلعم لعَكَّاِف بنِ وَدَاعةَ الهِلالي: ((ألك زوجة يا عَكَّاف؟)) قال: لا، قال: ((ولا جارية؟)) قال: لا، قال: ((وأنت صحيحٌ موسر؟)) قال: نعم والحمد لله، قال: ((فأنت إذًا من إخوان الشَّياطين إمَّا أن تكون من رهبان النَّصارى فأنت منهم، وإمَّا أن تكون منَّا فاصنع كما نصنع، فإنَّ من سُنَّتِنا النِّكاح، شراركُم عزَّابكم، وأراذلُ أمواتكُم عزَّابكُم، ويحكَ يا عكَّاف تزوَّج)) فقال عكَّاف: يا رسول الله، لا أتزوجُ حتى تزوِّجني من شئتَ، قال: فقال رسول الله صلعم : ((لقد زوَّجتك على اسم الله والبركةِ كريمةَ بنت كُلْثوم الحِمْيَرِي))، رواه أبو يعلى الموصلي في «مسنده» من طريق بقيَّة وهو إيجاب على معين، فيجب أن يكون سبب الوجوب قد تحقَّق في حقِّه، والآية لم تُسَقْ إلَّا لبيان العَدَد والمحلَّل على ما عرف في الأصول، وسيجيء بَسْطُ الكلام في هذا المقام إن شاء الله الملك العَلَّام.