نجاح القاري لصحيح البخاري

باب العدل بين النساء

          ░99▒ (باب الْعَدْلِ بَيْنَ النِّسَاءِ) يعني: إذا كان رجل له امرأتان أو ثلاث أو أربع يجبُ عليه أن يعدلَ بينهنَّ في القسم إلَّا برضاهنَّ، بأن يرضينَ بتفضيلِ بعضهنَّ على بعض، ويحسن معهنَّ عشرتهنَّ، ولا يدخل بينهنَّ من التَّحاسد والعداوة ما يكدِّر صُحبته لهنَّ، ومن تمام العدلِ أيضًا بينهنَّ تسويتهنَّ في النَّفقة والكسوة.
          ({وَلَنْ تَسْتَطِيعُوا}) أي: لن تطيقوا أيُّها الرجال ({أَنْ تَعْدِلُوا بَيْنَ النِّسَاءِ}) أن تسوُّوا بين نسائكم حتى لا يقعَ ميلٌ البتة حتى في حبهنَّ في قلوبكم؛ لأنَّ ذلك ممَّا لا تملكونه ولو حرصتُم في تسويتكُم بينهنَّ في ذلك، فقد روت الأربعة وصحَّحه ابن حبَّان والحاكم من طريق حماد بن سلمة، عن أيُّوب، عن أبي قلابة من حديث عبد الله بن يزيد، عن عائشة ♦: أنَّ النَّبي صلعم كان يقسمُ بين نسائهِ فيعدل ويقول: ((اللَّهمَّ هذا قَسْمِي فيما أملك، فلا تلمنِي فيما تَمْلِك، ولا أَمْلِك)).
          فقوله: ((فيما أَمْلِك)) / أي: فيما أقدرتني عليه ممَّا يدخلُ تحت القدرة والاختيار؛ بخلاف ما لا قدرةَ لي عليه من ميلِ القلب، فإنَّه لا يدخلُ تحت القُدرة. وقال التِّرمذي: يعني به الحبَّ والمَودة، وكذلك فسَّره أهل العلم. قال التِّرمذي: رواه غيرُ واحدٍ عن حماد بن زيد، عن أيُّوب، عن أبي قِلابة مرسلًا، وهو أصحُّ من رواية حماد بن سلمة. وقد أخرج البيهقيُّ من طريق عليِّ بن أبي طلحة، عن ابن عبَّاس ☻ في قوله: {وَلَنْ تَسْتَطِيعُوا} [النساء:129] الآية، قال: في الحبِّ والجماع. وعن عَبيدة بن عَمرو السَّلماني مثله.
          وروى الأربعة أيضًا من حديث أبي هُريرة ☺، عن النَّبي صلعم : ((إذا كان عند الرَّجل امرأتان فلم يعدلْ بينهما جاءَ يوم القيامة وشقُّه ساقط)). قيل: المراد: سقوطُ شقِّه حقيقةً، أو المراد: سقوط حجَّته بالنَّسبة إلى إحدى امرأتيه التي مال عنها، والظَّاهر الحقيقة، يدلُّ عليه رواية أبي داود: ((وشقه مائلٌ، والجزاءُ من جنسِ العمل)).
          (إِلَى قَوْلِهِ) تعالى: ({وَاسِعًا حَكِيمًا} [النساء:129-130]) يريد قوله تعالى: {وَلَوْ حَرَصْتُمْ} [النساء:129] أي: في العدل والتَّسوية بينهنَّ {فَلَا تَمِيلُوا كُلَّ الْمَيْلِ} أي: فلا تجوروا على المرغوب عنها كلَّ الجَور فتَمْنَعوها قِسْمَتَها من غير رضاها {فَتَذَرُوهَا} أي: فتتركوها {كَالْمُعَلَّقَةِ} وهي التي ليست بذات بَعْلٍ ولا مطلَّقة، وقيل: لا أيِّم ولا ذات زوجٍ {وَإِنْ تُصْلِحُوا} أي: فيما بينكم وبينهنَّ بالاجتهاد منكم في العَدْل بينهنَّ {وَتَتَّقُوا} أي: الميل والجور فيهنَّ {فَإِنَّ اللَّهَ كَانَ غَفُورًا} ما عجزتْ عنه طاقتُكم من بلوغ الميل منكم فيهنَّ غايته {رَحِيمًا} [النساء:129] يتفضل عليكم بعفوه وصفحه.
          {وَإِنْ يَتَفَرَّقَا} أي: وإنْ يفارقَ كلٌّ منهما صاحبه {يُغْنِ اللَّهُ كُلًّا} أي: يرزقه زوجًا خيرًا من زوجهِ، وعيشًا أهنأَ من عيشه {مِنْ سَعَتِهِ} أي: من غناه وقدرتهِ {وَكَانَ اللَّهُ وَاسِعًا} أي: غنيًا مقتدرًا، أو بتحليل النِّكاح {حَكِيمًا} [النساء:130] يفعل كلَّ شيءٍ تقتضيه حكمته، أو بالإذن في السراح.
          وقوله: إلى قوله: {وَاسِعًا حَكِيمًا} [النساء:130] سقط في رواية أبي ذرٍّ.