إرشاد الساري لشرح صحيح البخاري

حديث: يا ابن الأكوع ملكت فأسجح إن القوم يقرون في قومهم

          3041- وبه قال: (حَدَّثَنَا المَكِّيُّ بْنُ إِبْرَاهِيمَ) بن بشيرِ بن فرقدٍ البرجميُّ البلخيُّ قال: (أَخْبَرَنَا يَزِيدُ بْنُ أَبِي عُبَيْدٍ) مصغَّرًا من غير إضافةٍ (عَنْ) مولاه (سَلَمَةَ) ابن الأكوع، سنان بن عبد الله أنَّه (أَخْبَرَهُ قَالَ: خَرَجْتُ مِنَ المَدِينَةِ) حال كوني (ذَاهِبًا نَحْوَ الغَابَةِ) بالغين المعجمة، وبعد الألف موحَّدةٌ، وهي على بريدٍ من المدينة في طريق الشَّام (حَتَّى إِذَا كُنْتُ بِثَنِيَّةِ الغَابَةِ) هي(1) كالعقبة في الجبل (لَقِيَنِي غُلَامٌ لِعَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ عَوْفٍ) لم يُسَمَّ الغلام، ويحتمل أنَّه رباح الَّذي كان يخدم النَّبيَّ صلعم (قُلْتُ) له: (وَيْحَكَ، مَا بِكَ؟ قَالَ: أُخِذَتْ) بضمِّ الهمزة، آخره مثنَّاةٌ فوقيَّةٌ ساكنةٌ مبنيًّا للمفعول، ولأبي ذَرٍّ عن الحَمُّويي والمُستملي: ”أُخِذَ“ بإسقاط التَّاء(2) الفوقيَّة (لِقَاحُ النَّبِيِّ صلعم ) بكسر اللَّام بعدها قافٌ، وبعد الألف حاءٌ مهملةٌ، مرفوعٌ نائبًا عن الفاعل، واحدها: لَقوح وهي الحلوب، وكانت عشرين لقحةً ترعى بالغابة، وكان فيهم عيينة بن حصنٍ الفزاريُّ (قُلْتُ: مَنْ أَخَذَهَا؟ قَالَ / : غَطَفَانُ وَفَزَارَةُ) بفتح الفاء والزَّاي: قبيلتان من العرب فيها أبو ذرٍّ (فَصَرَخْتُ ثَلَاثَ صَرَخَاتٍ أَسْمَعْتُ مَا بَيْنَ لَابَتَيْهَا) أي: لابتي المدينة، واللَّابة: الحَرَّة: (يَا صَبَاحَاهُ، يَا صَبَاحَاهُ) مرَّتين بفتح الصَّاد والموحَّدة، وبعد الألف حاءٌ مهملةٌ فألفٌ فهاءٌ مضمومةٌ، وفي «الفرع»: سكونها، وكذا في أصله؛ منادى مستغاث، والألف للاستغاثة، والهاء للسَّكت، وكأنَّه نادى النَّاس استغاثةً بهم في وقت الصَّباح. وقال ابن المُنَيِّر: الهاء للنُّدبة، وربَّما سقطت في الوصل، وقد ثبتت في الرِّواية، فيوقف عليها بالسُّكون. وقال القرطبيُّ: معناه: الإعلام بهذا الأمر المهمِّ الَّذي دهمهم في الصَّباح، وهي كلمةٌ يقولها المستغيث (ثُمَّ انْدَفَعْتُ(3)) بسكون العين، أسرعت في السَّير وكان ماشيًا على رجليه (حَتَّى أَلْقَاهُمْ وَقَدْ أَخَذُوهَا، فَجَعَلْتُ أَرْمِيهِمْ) بالنَّبل (وَأَقُولُ: أَنَا‼ ابْنُ الأَكْوَعِ، وَاليَوْمُ يَوْمُ الرُّضَّعِ(4)) بضمِّ الرَّاء وتشديد الضَّاد المعجمة، بعدها عينٌ مهملةٌ، والرَّفع فيهما، ولأبي ذَرٍّ: نصب المعرَّف، أي: يوم هلاك اللِّئام، من قولهم: لئيمٌ راضعٌ، وهو الَّذي رضع اللُّؤم من ثدي أمِّه، وكلُّ من نُسِبَ إلى لؤمٍ فإنَّه يوصف بالمصِّ والرَّضاع. وفي المثَل: أَلْأَم من راضعٍ، وأصله: أنَّ رجلًا من العمالقة طرقه ضيفٌ ليلًا، فمصَّ ضرع شاته لئلَّا يسمع الضَّيف صوت الحَلْب، فكثر حتَّى صار كلُّ لئيمٍ راضعًا، سواءً فعل ذلك أو لم يفعله. وقيل: المعنى: اليوم يُعرَف من رضع كريمةً فأنجبته، أو لئيمةً فهجنته، أو اليوم يُعرَف من أرضعته الحرب من صغره، وتدرَّب بها من غيره (فَاسْتَنْقَذْتُهَا) بالقاف والذَّال المعجمة (مِنْهُمْ(5)) أي: استخلصت اللِّقاح من غطفان وفزارة (قَبْلَ أَنْ يَشْرَبُوا) أي: الماء (فَأَقْبَلْتُ بِهَا) حال كوني (أَسُوقُهَا، فَلَقِيَنِي النَّبِيُّ صلعم ) وكان قد خرج ╕ إليهم غداة الأربعاء في الحديد مقنَّعًا(6) في خمس مئةٍ، وقيل: سبع مئةٍ بعد أن جاء الصَّريخ، ونودي: يا خيل الله اركبي، وعقد للمقداد بن عمرٍو لواءً وقال له: «امضِ حتَّى تلحقك الخيول(7)، وأنا على أثرك» (فَقُلْتُ: يَا رَسُولَ اللهِ، إِنَّ القَوْمَ) يعني: غطفان وفزارة (عِطَاشٌ) بكسر العين المهملة (وَإِنِّي أَعْجَلْتُهُمْ أَنْ يَشْرَبُوا) مفعول له، أي: كراهة شربهم (سِقْيَهُمْ) بكسر السِّين وسكون القاف، أي: حظَّهم من الشُّرب (فَابْعَثْ فِي إِثْرِهِمْ) بكسر الهمزة وسكون المثلَّثة. وعند ابن سعدٍ: قال سلمة: فلو بعثتني(8) في مئة رجلٍ استنقذت ما بأيديهم من السَّرح، وأخذت بأعناق القوم (فَقَالَ) ╕ : (يَا بْنَ الأَكْوَعِ، مَلَكْتَ) أي: قدرت عليهم فاستعبدتهم وهم في الأصل أحرارٌ (فَأَسْجِحْ) بهمزة قطعٍ وسينٍ مهملةٍ ساكنةٍ، وبعد الجيم المكسورة حاءٌ مهملةٌ، أي: فارفق وأَحْسِنِ العفوَ(9) ولا تأخذ بالشدَّة (إِنَّ القَوْمَ) غطفان وفزارة (يُقْرَوْنَ) بضمِّ المثنَّاة التَّحتيَّة وسكون القاف والواو، بينهما راءٌ مفتوحةٌ، آخره نونٌ، أي: يضافون (فِي قَوْمِهِمْ) يعني: أنَّهم وصلوا إلى غطفان وهم يضيفونهم ويساعدونهم، فلا فائدة في البعث في الأثر لأنَّهم لحقوا بأصحابهم، وزاد ابن سعدٍ: فجاء رجلٌ من غطفان فقال: مرُّوا على فلانٍ الغطفانيِّ، فنحر لهم جزورًا، فلما أخذوا يكشطون جلدها رأوا غبرةً فتركوها وخرجوا هرابًا، الحديث. وفيه معجزةٌ حيث أخبر ╕ بذلك(10). فكان كما قاله(11)، وفي بعض الأصول من «البخاريِّ»: ”يَقرُون“ بضمِّ الرَّاء مع فتح أوَّله، أي: ارفق بهم فإنَّهم يضيفون الأضياف، فراعى(12) صلعم ذلك لهم‼ رجاء توبتهم وإنابتهم، ولأبي ذَرٍّ عن الحَمُّويي والمُستملي: ”يَقِرُّون“ بفتح أوَّله وكسر القاف وتشديد الرَّاء، ولأبي ذَرٍّ: ”من قومهم“.
          وهذا الحديث الثَّاني عشر من ثلاثيَّات البخاريِّ، وأخرجه أيضًا في «المغازي» [خ¦4194]، وكذا مسلمٌ و(13)أخرجه النَّسائيُّ في «اليوم واللَّيلة».


[1] في (م): «أي».
[2] «التَّاء»: مثبتٌ من (م).
[3] في (ص): «أدفعت».
[4] زيد في (م) وهامش (ج) و(ل): سجعٌ لم يُلتزَم فيه الوزن، و«يومُ» رُفِعَ في الموضعين، مبتدأ وخبر، ونصب على الظَّرفيَّة، ورفع الثَّاني مبتدأ خبره الظَّرف فيما قبله تقديره: وفي هذا اليوم يوم الرُّضَّع أي: يوم هلاك اللِّئام وفيه تكرارٌ.
[5] «منهم»: جاء في (د1) و(م) بعد لفظ: «فزارة».
[6] في (ب) و(س): «متقنِّعًا».
[7] في (م): «الخيل».
[8] في (م): «بعثني».
[9] في (د): «بالعفو».
[10] في (د): «حيث إنَّه ◙ أخبر بذلك».
[11] في (م): «قال».
[12] زيد في (د): «رسول الله».
[13] في (د): «وكذا».