إرشاد الساري لشرح صحيح البخاري

حديث: هلك كسرى ثم لا يكون كسرى بعده

          3027- 3028- وبه قال: (حَدَّثَنَا عَبْدُ اللهِ بْنُ مُحَمَّدٍ) المسنَديُّ(1) (حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّزَّاقِ) بن همَّامٍ قال: (أَخْبَرَنَا مَعْمَرٌ) هو ابن راشدٍ (عَنْ هَمَّامٍ) هو ابن منبِّهٍ (عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ ☺ عَنِ النَّبِيِّ صلعم ) أنَّه (قَالَ: هَلَكَ) أي: مات (كِسْرَى) بكسر الكاف وقد تُفتَح، معرَّب خسرو(2)، أي: واسع الملك، وهو اسمٌ لكلِّ مَن ملك الفرس (ثُمَّ لَا يَكُونُ كِسْرَى بَعْدَهُ) بالعراق، وفي روايةٍ: ”إذا هلك كسرى...“ إلى آخره، قال القرطبيُّ: وبين رواية «هلك» و«إذا هلك» بَونٌ، ويمكن الجمع بأن يكون أبو هريرة سمع أحد اللَّفظين قبل أن يموت كسرى والآخرَ بعد ذلك(3)، قال: ويحتمل أن يقع التَّغاير بالموت والهلاك(4)، فقوله: «إذا هلك كسرى» أي: هلك ملكه وارتفع، وقوله: «مات كسرى ثم لا يكون كسرى بعده» المراد به(5): كسرى حقيقةً، أو المراد بقوله: «هلك كسرى»: تحقُّق(6) وقوع ذلك حتَّى عبَّر عنه بلفظ الماضي، وإن كان(7) لم يقع بعدُ للمبالغة في ذلك كما في قوله تعالى: {أَتَى أَمْرُ اللّهِ فَلاَ تَسْتَعْجِلُوهُ}[النحل:1] (وَقَيْصَرُ) بغير صرفٍ للعُجْمة(8) والعلميَّة، ونُوِّن في الفرع وصُحِّح عليه، مبتدأٌ خبره: (لَيَهْلِكَنَّ) بفتح الياء وكسر اللَّام الثَّانية، وفي الفرع كأصله: ”وقيصرٌ“ بالتَّنوين مصحَّحٌ عليه، وفي نسخةٍ: ”ولا قيصرٌ ليهلكنَّ“ بالصَّرف بعد النَّفي لزوال العلميَّة بالتَّنكير (ثُمَّ لَا يَكُونُ قَيْصَرٌ بَعْدَهُ) بالشَّام. قال إمامنا الشَّافعيُّ: وسبب الحديث أنَّ قريشًا كانت تأتي الشَّام والعراق كثيرًا للتِّجارة في الجاهليَّة، فلمَّا أسلموا خافوا انقطاع سفرهم إليهما لمخالفتهم بالإسلام، فقال ╕ : «لا كسرى ولا قيصر بعدهما» بهذين الإقليمين، ولا ضرر عليكم، فلم يكن قيصرٌ بعده بالشَّام، ولا كسرى بالعراق(9)، ولا يكون (وَلَتُقْسَمَنَّ كُنُوزُهُمَا) أي: مالهما المدفون وكلُّ ما(10) يُجمَع ويُدَّخر، وسقطت ميم «كنوزهما» في(11) الفرع وأصله (فِي سَبِيلِ اللهِ) ╡، «ولتُقْسَمَنَّ» بضمِّ المثنَّاة الفوقيَّة وفتح السِّين والميم وتشديد النُّون مبنيًّا للمفعول.
          (وَسَمَّى) النَّبيُّ(12) صلعم (الحَرْبَ: خَـُدْعَةً) في غزوة الخندق لمَّا بعث نُعيم بن مسعودٍ يُخذِّل بين قريشٍ وغطفان واليهود، قاله الواقديُّ، وتكون بالتَّورية وبالكَمين وبخلْف الوعد، وذلك من المستثنى الجائز المخصوص من المحرَّم، وقال النَّوويُّ: اتَّفقوا على جواز خداع الكفَّار في الحرب كيف‼ ما أمكن، إلَّا أن يكون فيه نقض عهدٍ أو أمانٍ فلا يجوز.
          وهذا الحديث أخرجه مسلمٌ.


[1] زيد في (د): «قال».
[2] في غير (ب) و(س) و(ج): «خسر» وهو تحريفٌ.
[3] في (ب) و(س): «موته».
[4] في (ب) و(س): «بالهلاك والموت».
[5] «به»: ليس في (د).
[6] في (م): «محقَّق».
[7] «كان»: ليس في (ص).
[8] في (م): «المعجمة» وليس بصحيحٍ.
[9] في غير (ب) و(س): «قيصرٌ بعده بالعراق ولا كسرى بالشَّام» وهو خطأٌ. وكذا هو في مصابيح الجامع.
[10] في (ص) و(م): «لكما» وهو خطأٌ.
[11] في (ب) و(د): «من».
[12] «النَّبيُّ»: ليس في (د1) و(ص).