إرشاد الساري لشرح صحيح البخاري

حديث: أن رسول الله في بعض أيامه التي لقي فيها انتظر حتى مالت

          2965- 2966- وبه قال: (حَدَّثَنَا عَبْدُ اللهِ بْنُ مُحَمَّدٍ) المسنَديُّ قال: (حَدَّثَنَا مُعَاوِيَةُ بْنُ عَمْرٍو) بفتح العين، ابن المهلَّبِ الأزديُّ البغداديُّ قال: (حَدَّثَنَا أَبُو إِسْحَاقَ) إبراهيم بن محمَّدٍ (هو الفزاريُّ) بفتح الفاء والزَّاي (عَنْ مُوسَى بْنِ عُقْبَةَ) بن أبي عيَّاشٍ بالشِّين المعجمة آخره، إمام المغازي (عَنْ سَالِمٍ أَبِي النَّضْرِ) بالضَّاد المعجمة، ابن أبي أميَّة (مَوْلَى عُمَرَ بْنِ عُبَيْدِ اللهِ) مصغَّرًا ابن معمرٍ التَّيميِّ (وَكَانَ) سالمٌ (كَاتِبًا لَهُ) أي: لعمر بن عبيد الله كما قاله البرماويُّ كالكِرمانيِّ، لكنْ خطَّأه العينيُّ كالحافظ ابن حجرٍ، ولم يذكرا له دليلًا، وفيه نظرٌ كما لا يخفى، ويؤيِّد ما قاله الكِرمانيُّ قوله في «باب لا تتمنَّوا لقاء العدوِّ» [خ¦3025] حدَّثني سالمٌ أبو النَّضر: كنتُ كاتبًا‼ لعمر بن عبيد الله، فهو صريحٌ في أنَّ سالمًا كاتب عمر بن عبيد الله، لا كاتب عبد الله بن أبي أوفى، وكيف يرجع الضَّمير على / (1) متأخِّرٍ رتبةً، والأصل خلافه (قَالَ: كَتَبَ إِلَيْهِ) أي: إلى عمر بن عبيد الله (عَبْدُ اللهِ بْنُ أَبِي أَوْفَى) بفتح الهمزة والفاء ( ☻ ، فَقَرَأْتُهُ، أَـإِنَّ) بفتح الهمزة وكسرها (رَسُولَ اللهِ صلعم فِي بَعْضِ أَيَّامِهِ) أي: غزواته (الَّتِي لَقِيَ فِيهَا) العدوَّ أو الحرب، واللَّفظ يحتملهما (انْتَظَرَ) خبر «أَنَّ» (حَتَّى مَالَتِ الشَّمْسُ) أي: زالت (ثُمَّ قَامَ فِي النَّاسِ) خطيبًا (قَالَ: أَيُّهَا النَّاسُ، لَا تَتَمَنَّوْا(2) لِقَاءَ العَدُوِّ) لأنَّ المرء لا يعلم ما يؤول إليه الأمر، ويؤيِّده قوله: (وَسَلُوا اللهَ العَافِيَةَ) أي: من هذه المحذورات المتضمِّنة للقاء العدوِّ، ثم أمر(3) بالصَّبر عند وقوع الحقيقة فقال: (فَإِذَا لَقِيتُمُوهُمْ فَاصْبِرُوا) فإن النَّصر مع الصَّبر (وَاعْلَمُوا أَنَّ الجَنَّةَ تَحْتَ ظِلَالِ السُّيُوفِ) أي: السَّبب الموصل إلى الجنَّة عند الضَّرب بالسَّيف في سبيل الله، وهو من المجاز البليغ؛ لأنَّ ظلَّ الشَّيء لمَّا كان ملازمًا له، وكان ثواب الجهاد الجنَّة، كان ظلال السُّيوف المشهورة في الجهاد تحتها الجنَّة، أي: ملازمها استحقاق ذلك، ومثله: الجنَّة تحت أقدام الأمَّهات، أو هو كنايةٌ عن الحضِّ على مقاربة العدوِّ، واستعمال السُّيوف، والاجتماع حين الزَّحف حتَّى تصير السُّيوف تظلُّ المقاتلين. قال ابن الجوزيِّ: إذا(4) تدانى الخصمان صار كلٌّ منهما تحت ظلِّ سيف صاحبه؛ لحرصه على رفعه عليه ولا يكون ذلك إلَّا عند التحام القتال (ثُمَّ قَالَ) ╕ : (اللَّهُمَّ) يا (مُنْزِلَ الكِتَابِ) القرآن الموعود فيه بالنَّصر على الكفَّار، قال تعالى: {قَاتِلُوهُمْ يُعَذِّبْهُمُ اللّهُ بِأَيْدِيكُمْ وَيُخْزِهِمْ وَيَنصُرْكُمْ عَلَيْهِمْ}[التوبة:14] والمراد: الجنس، فيشمل سائر الكتب المنزلة على الأنبياء، فيكون المراد: شدَّة الطَّلب للنَّصر، كنصره(5) هذا الكتاب بخذلان(6) مَن يكفر به(7) ويجحده (وَ) يا (مُجْرِيَ السَّحَابِ) بقدرته، إشارةٌ إلى سرعة إجراء ما يقدِّره الله(8)، فإنَّه قدَّر جريان السَّحاب على أسرع حالٍ، وكأنَّه يسأل بذلك سرعة النَّصْرِ والظَّفر(9) (وَ) يا (هَازِمَ الأَحْزَابِ) وحده لا غيره(10) (اهْزِمْهُمْ، وَانْصُرْنَا عَلَيْهِمْ) فأنت المنفرد(11) بالفعل من غير حولٍ منَّا ولا قوَّةٍ، أو أنَّ المراد التوسُّل إليه بنعمه، وأشار بالأُولى(12) إلى نعمة الدِّين بإنزال الكتاب، وبالثَّانية(13) إلى نعمة الدُّنيا وحياة النُّفوس بإجراء السَّحاب الَّذي جعله سببًا في نزول الغيث والأرزاق، وبالثَّالثة إلى أنَّه حصَّل حفظ النِّعمتين، فكأنَّه قال: اللَّهمَّ كما أنعمت بعظيم نعمتك الأخرويَّة والدُّنيويَّة وحفظهما فأبقهما، وقد وقع هذا السَّجع اتِّفاقًا من غير‼ قصدٍ.
          وبقيَّة مباحث الحديث تأتي إن شاء الله تعالى في «باب لا تمنَّوا(14) لقاء العدوِّ» [خ¦3025].


[1] في (م): «إلى».
[2] في (ص): «تمنَّوا».
[3] في (ب) و(د) و(س): «أمرنا».
[4] في (م): «إِنْ».
[5] في (ب): «كنصرة».
[6] في (م): «بخذلانه».
[7] في (د) و(م): «يكفره».
[8] اسم الجلالة: مثبتٌ من (د) و(م).
[9] زيد في (د): «والنَّصر».
[10] في (ب) و(د): «لا غَيْر».
[11] في (د): «المتفرِّد».
[12] في (د1) و(ص) و(م): «بالأوَّل».
[13] في (د1) و(ص) و(م): «بالثَّاني».
[14] في (د): «لا تتمنَّوا».