إرشاد الساري لشرح صحيح البخاري

حديث: التمس غلامًا من غلمانكم يخدمني حتى أخرج إلى خيبر

          2893- وبه قال: (حَدَّثَنَا قُتَيْبَةُ) بن سعيد بن جَميلٍ _بفتح الجيم_ الثَّقفيُّ البغلانيُّ قال: (حَدَّثَنَا يَعْقُوبُ) بن عبد الرَّحمن بن محمَّد القارِّيُّ _بتشديد الياء_ من القارَّة، المدنيُّ الأصل ثمَّ السَّكندريُّ(1) (عَنْ عَمْرٍو) هو(2) ابن أبي عمرٍو مولى المطَّلب (عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ ☺ : أَنَّ النَّبِيَّ صلعم قَالَ لأَبِي طَلْحَةَ) زيد بن سهلٍ الأنصاريِّ زوجِ أمِّ أنسٍ: (التَمِسْ) أي: عيِّنْ لي (غُلَامًا مِنْ غِلْمَانِكُمْ يَخْدُمُنِي) بالرَّفع في الفرع، أي: هو يخدمني، وفي نسخةٍ: ”يخدمْني“ بالجزم جواب الأمر (حَتَّى أَخْرُجَ إِلَى) غزوة (خَيْبَرَ) وكانت سنة سبعٍ بتقديم السِّين على الموحَّدة. واستُشكِل من حيث إنَّ ظاهره أنَّ أوَّل خدمته كان حينئذٍ، فيكون إنَّما خدمه أربع سنين. وقد صحَّ عنه أنَّه قال: خدمت النَّبيَّ صلعم تسع سنين، وفي روايةٍ: ”عشر سنين“. وأُجيبَ: بأن يُحمَل قوله‼ لأبي طلحة: «التمسْ لي غلامًا من غلمانكم» على أن يعيِّن له من يخرج معه في تلك السَّفرة، فينحطُّ الالتماس على الاستئذان في المسافرة به لا في أصل الخدمة؛ لأنَّها كانت متقدِّمةً(3).
          (فَخَرَجَ بِي أَبُو طَلْحَةَ مُرْدِفِي) أي: أردفني خلفه على الدَّابَّة (وأَنَا غُلَامٌ رَاهَقْتُ الحُلُمَ) أي: قاربت البلوغ، والواو للحال(4) (فَكُنْتُ أَخْدُمُ رَسُولَ اللهِ صلعم إِذَا نَزَلَ، فَكُنْتُ أَسْمَعُهُ كَثِيرًا يَقُولُ: اللَّهُمَّ إِنِّي أَعُوذُ بِكَ مِنَ الهَمِّ) على ما يُتوقَّع ولم يكن (وَالحَزَنِ) على ما وقع _وهو(5) بفتح الحاء والزَّاي_ أو الهمُّ هو الغمُّ والحزن، تقول: أهمَّني هذا الأمر وأحزنني (وَالعَجْزِ) وهو ضدُّ القدرة (وَالكَسَلِ) وهو التَّثاقل عن الشَّيء مع وجود القدرة عليه (وَالبُخْلِ وَالجُبْنِ) بضمِّ الجيم وسكون الموحَّدة: ضدُّ الشَّجاعة (وَضَلَعِ الدَّيْنِ) بفتح الضَّاد المعجمة واللَّام، ثقله (وَغَلَبَةِ الرِّجَالِ) الهرج والمرج، أو توحُّد الرَّجل في أمره وتغلُّب الرِّجال عليه.
          (ثُمَّ قَدِمْنَا خَيْبَرَ، فَلَمَّا فَتَحَ اللهُ عَلَيْهِ الحِصْنَ) المسمَّى بالقموص (ذُكِرَ لَهُ جَمَالُ صَفِيَّةَ بِنْتِ حُيَيِّ بْنِ أَخْطَبَ) بفتح الهمزة وسكون الخاء المعجمة وفتح الطَّاء المهملة، آخره موحَّدةٌ، و«حُيَيِّ»: بضمِّ الحاء المهملة وفتح التَّحتيَّة الأولى وتشديد الثَّانية (وَقَدْ قُتِلَ زَوْجُهَا) كنانة بن الرَّبيع بن أبي الحُقَيق (وَكَانَتْ عَرُوسًا) قال الخليل: رجلٌ عروسٌ في رجالٍ عُرُسٍ، وامرأةٌ عروسٌ في نساءٍ عرائس، قال: والعروس نعتٌ يستوي فيه الرَّجل والمرأة ما داما في تعريسهما أيَّامًا (فَاصْطَفَاهَا رَسُولُ اللهِ صلعم لِنَفْسِهِ) لأنَّها بنت ملكٍ من ملوكهم (فَخَرَجَ بِهَا) من خيبر (حَتَّى بَلَغْنَا) ولأبي ذَرٍّ عن الكُشْمِيهَنِيِّ: ”حتى إذا بلغنا“ (سَدَّ الصَّهْبَاءِ) بفتح السِّين وتُضَمُّ(6) وتشديد الدَّال المهملتَين، و«الصَّهْباء»: بفتح الصَّاد المهملة وسكون الهاء وبعدها موحَّدةٌ ممدودًا: اسم موضعٍ (حَلَّتْ) أي: طهرت من الحيض (فَبَنَى بِهَا) ╕ (ثُمَّ صَنَعَ حَيْسًا) بحاءٍ مهملةٍ مفتوحةٍ فمثنَّاةٍ تحتيَّةٍ ساكنةٍ فسينٍ مهملةٍ، طعامًا من تمرٍ وأقطٍ وسمنٍ (فِي نِطَعٍ صَغِيرٍ) بكسر النُّون وفتحها وفتح الطَّاء وسكونها، أربع لغاتٍ (ثُمَّ قَالَ رَسُولُ اللهِ صلعم ) أي: لأنسٍ: (آذِنْ) بمدِّ الهمزة وكسر المعجمة، أَعْلِمْ (مَنْ حَوْلَكَ) من المسلمين، فدعوتهم إلى وليمته (فَكَانَتْ تِلْكَ وَلِيمَةَ رَسُولِ اللهِ صلعم عَلَى صَفِيَّةَ) فما كان فيها خبزٌ ولا لحمٌ (ثُمَّ خَرَجْنَا إِلَى المَدِينَةِ قَالَ: فَرَأَيْتُ رَسُولَ اللهِ صلعم يُحَوِّي) بضمِّ أوَّله وفتح الحاء المهملة وتشديد الواو (لَهَا) أي: لأجلها (وَرَاءَهُ بِعَبَاءَةٍ) أي: يجعلها لها حويَّةً تُدار حول سنام البعير (ثُمَّ يَجْلِسُ عِنْدَ بَعِيرِهِ فَيَضَعُ رُكْبَتَهُ / ، فَتَضَعُ صَفِيَّةُ رِجْلَهَا عَلَى رُكْبَتِهِ حَتَّى تَرْكَبَ، فَسِرْنَا حَتَّى إِذَا أَشْرَفْنَا عَلَى المَدِينَةِ‼؛ نَظَرَ إِلَى) جبل (أُحُدٍ فَقَالَ: هَذَا جَبَلٌ يُحِبُّنَا) حقيقةً أو مجازًا على حذف مضافٍ، أي: أهل أحدٍ(7) (وَنُحِبُّهُ. ثُمَّ نَظَرَ إِلَى المَدِينَةِ، فَقَالَ: اللَّهُمَّ إِنِّي أُحَرِّمُ مَا بَيْنَ لَابَتَيْهَا) أي: حَرَّتيها (بِمِثْلِ مَا حَرَّمَ إِبْرَاهِيمُ مَكَّةَ) إلَّا في وجوب الجزاء (اللَّهُمَّ بَارِكْ لَهُمْ فِي مُدِّهِمْ وَصَاعِهِمْ) يريد أن يبارك الله لهم في الطَّعام الَّذي يُكال بالصِّيعان والأمداد.


[1] في (م): «الإسكندري».
[2] «هو»: ليس في (د).
[3] في (ص): «مقدَّمةً».
[4] قوله: «وأنا غلام... للحال» سقط من (ص).
[5] «وهو»: ليس في (م).
[6] «وتُضَمُّ»: ليس في (د) و(م).
[7] «أي: أهل أحدٍ»: ليس في (د).