نجاح القاري لصحيح البخاري

حديث: ما من أحد أغير من الله من أجل ذلك حرم الفواحش

          5220- (حَدَّثَنَا عُمَرُ بْنُ حَفْصٍ) قال: (حَدَّثَنَا أَبِي) هو: ابنُ غياث، قال: (حَدَّثَنَا الأَعْمَشُ) سليمانُ بن مهران (عَنْ شَقِيقٍ) أبي وائل بن سلمة الأسدي (عَنْ عَبْدِ اللَّهِ) هو: ابنُ مسعود ☺ (عَنِ النَّبِيِّ صلعم ) أنَّه (قَالَ: مَا مِنْ أَحَدٍ أَغْيَر مِنَ اللَّهِ) ((ما)) يجوز أن تكون حجازية، فأغيرُ منصوب على الخبر، وأن تكون تميميَّة فأغيرُ مرفوعٌ وكلمة ((من)) زائدة على اللُّغتين، ويجوز إذا فتحت الراء من ((أغير)) أن تكون في موضع خَفْضٍ على النَّعت لأحدٍ على اللَّفظ، وإذا رفعت أن تكون صفة له على الموضع، وعليهما فالخبر محذوفٌ تقديره: موجود ونحوه، وقد أوَّلوا الغَيرة من الله بالزَّجر والتَّحريم، كما مرَّ آنفاً، ولذا قال: (مِنْ أَجْلِ ذَلِكَ) أي: من أجلِ أنَّ الله أغير من كلِّ أحد (حَرَّمَ الْفَوَاحِشَ) جمع فاحشةٍ، وهي كلُّ خصلةٍ اشتدَّ قُبْحُها من الأقوالِ والأفعال، وقال ابنُ الأثير: الفُحش والفَاحشة والفَواحش في الحديث: كلُّ ما يَشْتدُّ قُبْحُه من الذُّنوب والمعاصي، وكثيراً ما تَرِدُ الفاحشةُ بمعنى الزِّنا.
          (وَمَا أَحَدٌ) بالرفع على أنَّه اسم ((ما))، وقوله: (أَحَبَّ) بالنَّصب خبرها على الحجازية، وبالرفع خبر لأحدٍ على التَّميمية (إِلَيْهِ الْمَدْحُ مِنَ اللَّهِ) والمدح مرفوع على أنَّه فاعل أحب، ومصلحة المدح عائدة على المادحِ لما يناله من الثَّواب، وقال الكِرمانيُّ: وهذا القول مثلُ مسألة الكحل، ويروى بالرفع على إلغاء عمل ما، وقيل: ولا يجوز أن يرفعَ أحب على أنَّه خبر للمدح أو مبتدأ، والمدح خبره لأنَّك تكون حينئذٍ تفرق بين تمام المبتدأ وصلته بالخبر الذي هو المدح، وحقيقة قوله / صلعم : ((وما أحد أحبَّ إليه المدح من الله)) أنَّه مصلحة للعباد؛ لأنَّهم يثنون عليه سبحانه وتعالى، فيُثيبهم فينتفعون، والله سبحانه غنيٌّ عن العالمين لا ينفعه مَدْحهم، ولا يضرُّه تَركهم ذلك، وفيه: تنبيهٌ على فضلِ الثَّناء عليه، وتسبيحه وتهليله وتحميده وتكبيره، وسائر الأذكار.
          ومطابقة الحديث للترجمة ظاهرةٌ، وقد أخرجه البُخاري في التَّوحيد أيضاً [خ¦7403]، وأخرجه مسلم في التَّوبة، والنَّسائي في التفسير.