مجمع البحرين وجواهر الحبرين

باب من نكث بيعة

          ░50▒ باب من نكث بيعته
          وقوله تعالى: {إِنَّ الَّذِينَ يُبَايِعُونَكَ} الآية [الفتح:10].
          ثم ساق حديث جابر السالف في بيعة الأعرابي، وسلف في أواخر الحج أيضاً في باب المدينة تنفي الخبث.
          وبيعة الإمام العدل إنما تكون على سنة الله وسنة رسوله فيما يستطيعه من أعمال البر، فمن وفى بذلك فقد وعده الله أجراً / عظيماً جزاءً عن وفائه.
          قال والدي ⌂:
          (باب من بايع مرتين).
          قوله: (أبو عاصم) هو الضحاك ضد البكاء المشهور بالنبيل بفتح النون وكسر الموحدة، و(خ) كثيراً يروي عنه بالواسطة، و(يزيد) بالزاي ابن أبي عبيد مصغر ضد الحر مولى سلمة بالمفتوحتين ابن عمرو ابن الأكوع بفتح الواو وبالمهملة الأسلمي، و(الشجرة) أي: التي في الحديبية، وهي التي نزل فيها: {لَقَدْ رَضِيَ اللهُ عَنِ الْمُؤْمِنِينَ إِذْ يُبَايِعُونَكَ تَحْتَ الشَّجَرَةِ} [الفتح:18] وهذه تسمى: بيعة الرضوان.
          قوله: (في الأول) أي: في الزمان الأول وفي بعضها في الأولى أي: في جملة الطائفة الأولى أو في الساعة الأولى مر في الجهاد أنه قال: بايعت ثم عدلت إلى ظل شجرة فلما خف الناس قال: يا ابن الأكوع ألا تبايع قال: قلت قد بايعت يا رسول الله قال وأيضاً مبايعته الثانية وهذا هو الحادي والعشرون من ثلاثيات (خ).
          قوله: (الأعراب) هم سكان البادية من جبل العرب، و(عبد الله بن مسلمة) بفتح الميم واللام القعنبي بفتح القاف والنون وسكون المهملة بينهما وبالموحدة، و(محمد بن المنكدر) بفاعل الانكدار، و(الأعرابي) من شواذ النسب، و(الوعك) بفتح الواو وإسكان المهملة الحمّى وشدة الحر ووجع البدن، و(خرج) أي: من المدينة، و(الكير) هو ما ينفخ الحداد فيه، و(خبثها) بالمفتوحات وبالضم والسكون الرديء والغش، و(ينصع) من النصوع بالنون والمهملتين الخلوص، و(طيبها) بكسر الطاء وإسكان التحتانية وبفتحها وكسر التحتانية الشديدة فاعله أي: يخلص طيبها ومن التنصيع وطيبها مفعوله مر في آخر الحج في باب حرم المدينة.
          قوله: (عبد الله بن يزيد) بالزاي المقرئ من الإقراء وكثيراً روى (خ) عنه بدون الواسطة كما في التهجد، و(سعيد بن أبي أيوب) واسمه: مقلاص بالقاف والمهملة وإنما قال: هو إشعاراً بأن ذكر نسبه منه لا من شيخه، و(أبو عقيل) بفتح المهملة وكسر القاف زهرة بضم الزاي وتسكين الهاء ابن معبد بفتح الميم والموحدة وسكون المهملة الأولى ابن عبد الله بن هشام القرشي المصري، و(كان) أي: عبد الله، و(حميد) بالضم، و(يضحي) أي عبد الله وجاز شاة من أهل البيت لأنها سنة على الكفاية ومراد (خ) من الحديث أن بيعة الصغير لا تصح ولهذا لم يبايعه ومر الحديث في الشركة.
          قوله: (أبو حمزة) بالمهملة والزاي محمد بن ميمون السكري، و(لدنيا) بدون التنوين وإنما قيده بقوله بعد العصر تغليظاً؛ لأنه أشرف الأوقات في النهار لرفع الملائكة الأعمال واجتماع ملائكة الليل والنهار فيه ولهذا يغلظ الإيمان فيه.
          و(أعطي) بلفظ المجهول، و(بها) أي: في مقابلتها والباء للمقابلة نحو بعت هذا بذاك، و(أخذها) أي: المشتري بالقيمة التي ذكر البائع أنه يعطي فيها كاذباً اعتماداً على كلامه، والحال أنه لم يعط ذلك المقدار مقابل سلعته مر في كتاب الشرب.
          فإن قلت: ثمة مكان لا يكلمهم الله ولا ينظر إليهم؟ قلت: الغرض منهما واحد وهو الخذلان والتحقير.
          فإن قلت: ثمة منعه من ابن السبيل وهاهنا منع منه ابن السبيل فهل يتفاوت المقصود في أن يكون الماء ممنوعاً والرجل ممنوعاً منه وبالعكس؟ قلت: المفهومان متغايران لكنهما متلازمان مقصوداً.
          فإن قلت: ذكر ثمة الحديث بطريق آخر أيضاً هكذا ثلاث لا يكلمهم الله ولا ينظر إليهم رجل حلف على سلعته لقد أعطى بها أكثر مما أعطى وهو كاذب ورجل حلف على يمين كاذبة بعد العصر ليقتطع بها مال رجل مسلم ورجل منع فضل ماء فذكر مكان المبايع للإمام الحالف للاقتطاع فهم أربعة لا ثلاثة؟ قلت: التخصيص بعدد لا ينفي الزائد عليه.
          قوله: (أبو إدريس عائذ الله) بالهمز بعد الألف ثم بالمعجمة الخولاني بفتح المعجمة وإسكان الواو وبالنون، مر الإسناد والمتن بعينه في كتاب الإيمان / .
          فإن قلت: الترجمة في بيعة النساء؟ قلت لما ورد في القرآن في بيعتهن نسب إليهن وإن بويع بها الرجال.
          قوله: (بالكلام) فيه إشارة إلى أن بيعة الرجال كانت باليد أيضاً، و(يملكها) إما بالنكاح وإما بملك اليمين، والمراد بهذه الآية هي: {يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ إِذَا جَاءكَ الْمُؤْمِنَاتُ يُبَايِعْنَكَ عَلَى أَن لَّا يُشْرِكْنَ} الآية [الممتحنة:12].
          قوله: (حفصة) هي بنت سيرين، و(أم عطية) بفتح المهملة الأولى نسيبة مصغر النسبة بالنون والمهملة والموحدة الأنصارية وقيل بفتح النون أيضاً، ومر في كتاب الزكاة ما يوهم أنها غير أم عطية حيث قالت عن أم عطية قالت: بعث إلى نسيبة الأنصارية بشاة، لكن الصحيح أنها هي إياها لا غيرها.
          و(بايعنا) بصيغة المتكلم وإن صح الرواية بصيغة الغائب فالمعنى صحيح.
          قوله: (فقبضت) فإن قلت: هذا مشعر بأن البيعة لهن كانت أيضاً باليد؟ قلت: لعلهن كن يشرن باليد عند المبايعة بلا مماسة(1)، و(فلانة) غير منصرف أي: أسعدتني في النياحة وأنا أريد أن أكافئها بالنياحة.
          فإن قلت: لم ما قال صلعم شيئاً لها وسكت عنها ولم يزجرها؟ قلت: لعله عرف أنه ليس من جنس النياحات المحرمة، أو ما التفت إلى كلامها حيث بين حكمها لهن، أو كان جوازها من خصائصها والمفهوم من صحيح (م) أن فلانة كناية عن أم عطية الراوية للحديث.
          و(أم سليم) بالضم أم أنس، و(أم العلاء) بالمد أنصارية، و(أبو سبرة) بفتح المهملة وسكون الموحدة وبالراء مر في الجنائز هكذا: فما وَفَت منا امرأة غير خمس نسوة أم سليم وأم العلاء وابنة أبي سبرة امرأة معاذ، وامرأتان أو امرأة أبي سبرة وامرأة معاذ وامرأة أخرى، قال القاضي معناه: لم يف ممن بايع مع أم عطية في الوقت الذي بايعت فيه من النسوة إلا خمس لا أنه لم يترك النياحة من المسلمات غير خمس.
          قوله: (أبو نعيم) مصغراً الفضل، و(الإقالة) فسخ البيع، انتهى كلام والدي ⌂.
          أقول:
          قوله: (ينصع طيبها) أي: يخلصه وشيء ناصع خالص، وأنصع أظهر ما في نفسه ونصع الشيء إذا وضح وبان، ويروى: تنصع طيبها؛ أي: يطهر ويروى بالياء والضاد المعجمة.
          قوله: (فلم يقل شيئاً) أي: لم ينههن لا أنه لم يقل شيئاً بالكلية.
          أقول: ويحتمل أنه لم يزجر الكافة يدها، وقولها: أسعدتني فلانة إلى آخره لأنه كان قبل البيعة، وأيضاً كان زمان الاستئلاف وعدم التنفير عن الدين والتشديد على من يدخل فيه ألا ترى أنه لم يزجر المستقبل حين قال: أقلني بيعتي وإقالة البيعة تتضمن الارتداد إذ ذاك فأبى ولم يزجره تآلفًا واستجلاباً لخاطره إلى الإسلام.


[1] في هامش المخطوط: ((أقول: معناه إنهن رأين الرجال يبايعن باليد فلما حضرن للمبايعة وقرأ النبي ◙ الآية عليهن بسطن أيديهم للمبايعة قياساً على الرجال فلما قال النبي ولا ينحن قبضت امرأة يدها والصحيح أنه كان يبايعهن كلاما)).