مجمع البحرين وجواهر الحبرين

باب أجر من قضى بالحكمة

          ░3▒ باب أجر من قضى بالحكمة
          لقوله تعالى: {وَمَن لَّمْ يَحْكُم بِمَا أَنزَلَ اللّهُ} الآية [المائدة:47].
          فيه حديث قيس عن عبد الله قال: قال رسول الله: ((لا حسد إلا في اثنتين)) الحديث وسلف في كتاب العلم، والآية قال الحسن: نزلت في أهل الكتاب تركوا أحكام الله تعالى كلها يعني في الرجم والآيات قال: وهي علينا واجبة.
          وقال الشعبي: الكافرون في أهل الإسلام، والظالمون في اليهود، والفاسقون في النصارى.
          وقال عطاء وطاوس: كفر ليس ككفر الشرك، وظلم ليس كظلم الشرك، وفسق ليس كفسق الشرك.
          قال القاضي إسماعيل: وظاهر الآيات يدل على أن من فعل مثل ما فعلوا واخترع حكماً خالف به حكم الله وجعله ديناً يعمل به، فقد لزمه مثل ما لزمهم من لزوم الوعيد حاكماً كان وغيره، ألا ترى أن ذلك نسب إلى جملة اليهود حين عملوا به.
          قال ابن بطال: ودلت الأحاديث على أن من قضى بما أنزل الله فقد استحق جزيل الأجر، ألا ترى أنه ◙ أباح حسده ومنافسته، فدل أن ذلك من أشرف الأعمال وأجل ما تقرب به إلى الله.
          وقد روى ابن المنذر عن محمد بن إسماعيل: بسنده عن ابن أبي أوفى قال: قال رسول الله صلعم: ((الله مع القاضي ما لم يجر فإذا جار تخلا عنه ولزمه الشيطان)).
          واقتصر (خ) من الآية على ما ذكر، ولم يذكر {فَأُوْلَـئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ} [المائدة:45] ولا {فأولئك هم الكافرون} [المائدة:44]؛ لأنه قيل: إنما نزل ذلك في اليهود والنصارى، نبه عليه الداودي وعن ابن عباس فيما حكاه النحاس هو به كافر لا كفر بالله وملائكته وكتبه ورسله، قال النحاس: وأحسن ما قيل فيه أنها كلها في الكفار، ولا شك أن من رد حكماً من أحكام الله فقد كفر، وقد أجمعت الفقهاء أن من أنكر حكم الرجم أنه كافر؛ لأنه ممن رد حكماً من أحكام الله تعالى.
          وقال الحسن: أخذ الله على الحكام ثلاثة أشياء لا يتبعونها: الهوى، ولا يخشوا الناس ويخشوه، ولا يشتروا بآيات الله ثمناً قليلاً.
          وأسلفنا في كتاب العلم أن المراد بالحسد هنا التغبط، وقال ثعلب: ((لا حسد)): لا يضر. والفرق أن الأول لا يتمنى زوالها بخلاف الثاني.
          قال ابن الأعرابي: الحسد مأخوذ من الحسدل وهو القراد، فهو يقشر القلب كما يقشر الجراد الجلد فيمص الدم.