مجمع البحرين وجواهر الحبرين

باب السمع والطاعة للإمام ما لم تكن معصية

          ░4▒ باب السمع والطاعة للإمام ما لم تكن معصية
          فيه حديث أبي التياح وهو لقب، واسمه يزيد بن حميد وكنيته أبو حماد عن أنس: ((اسمعوا وأطيعوا..)). الحديث، وسلف في الصلاة.
          وحديث أبي رجاء واسمه عمران بن ملحان العطاردي عن ابن عباس يرويه عن رسول الله: ((من رأى من أميره شيئاً يكرهه)) وسلف قريباً.
          وحديث ابن عمر: ((السمع والطاعة على المرء المسلم)) الحديث.
          وحديث علي في السرية سلف في المغازي.
          وفيها أجمع وجوب السمع والطاعة ما لم يؤمر بمعصية ومثل ذلك الولد لوالده والعبد في حق سيده.
          فإن ظن ظان أن في حديث أنس وابن عباس حجة لمن أقدم على معصية الله بأمر سلطان أو غيره، وقد وردت الأخبار بالسمع والطاعة لولاة الأمر فقد ظن خطأ، وذلك أن أخباره لا يجوز أن تتضاد، ونهيه وأمره لا يجوز أن / يتناقض أو يتعارض، وإنما الأخبار الواردة بالسمع والطاعة لهم ما لم يكن خلافاً لأمر الله ورسوله، فإذا كان خلافاً لذلك فغير جائز لأحد أن يطيع أحداً في معصية الله ومعصية رسوله، وبنحو ذلك قال عامة السلف، قال المهلب: قوله: ((اسمعوا وأطيعوا، وإن استعمل عليكم عبد حبشي)) لا يوجب أن يكون المستعمل للعبد إلا إمام قرشي؛ لما تقدم أنه لا يجوز الإمامة إلا في قريش.
          وقد أجمعت الأمة على أنه لا يجوز أن تكون الإمامة في العبد أي: في الحديث في الإمارة لا في الخلافة، يؤيده قوله: ((وإن استعمل عليكم عبد حبشي)) يريد: الإمام الخليفة كما روي: ((استعمل عبداً))، والحبش من حبش السودان.
          قوله: (من رأى شيئا يكرهه فليصبر) يعني: من الظلم والجور، فأما من رأى شيئاً من معارضة الدين ببدعة أو قلب شريعة فليخرج من تلك الأرض.
          قوله: (ميتة) هو بكسر الميم كجلسة.
          قوله: (وأمر عليهم رجلاً من الأنصار) هو عبد الله بن حذافة السهمي.
          (وعزمت عليه): بفتح الزاي.
          قوله: (لما جمعتم حطبا) هو (لما) بمعنى (إلا) مشدد، حكى سيبويه: تقول: نشدتك الله لما فعلت، أي: إلا فعلت.
          وفي ((الصحاح)) وقول من قال: (لما) بمعنى (إلا) فليس يعرف في اللغة.
          قوله: (خمدت النار) هو بفتح الميم، وضبط بكسرها وليس بمعروف في اللغة، ومعنى (خمدت): سكن لهبها ولم يطفئها جمرها، وهمدت إذا طفأها جمرها.
          قوله: (لو دخلوها ما خرجوا منها أبداً) قال الداودي: إن كان محفوظاً فيحتمل أن يريد تلك النار نفسها فيموتوا فيها، ليس أنهم يخلدون في جهنم؛ لقوله: ((يخرج من النار من في قلبه مثقال ذرة من إيمان)).
          قال: وهذا من المعاريض التي فيها مندوحة من الكذب، وقال المهلب: الأبد هاهنا يراد به أبد الدنيا؛ لقوله تعالى: {إِنَّ اللّهَ لاَ يَغْفِرُ أَن يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَلِكَ} [النساء:48]، ومعلوم أن الذين هموا بدخول النار لم يكفروا بذلك، فيجب عليهم التخليد أبد الآخرة، ألا ترى قولهم: ((إنما تبعنا رسول الله فراراً من النار)).
          يدل هذا على أنه أراد ◙ لو دخلوها لماتوا فيها ولم يخرجوا منها مدة الدنيا.
          قال القاضي أبو بكر بن الطيب: أجمعت الأمة أنه يوجب خلع الإمام وسقوط فرض طاعته كفره بعد إيمانه، وتركه إقامة الصلاة والدعاء إليها.
          واختلفوا إذا كان فاسقاً ظالماً غاصباً للأموال فضرب الأشد ويتناول النفوس المحرمة، وتضييع الحدود، ويعطل الحقوق، فقال كثير من الناس: يجب خلعه لذلك.
          وقال الجمهور من الأئمة وأهل الحديث: لا يخلع بهذه الأمور، ولا يجب الخروج عليه بل يجب وعظه وتخويفه وترك طاعته فيما يدعو إليه من المعاصي.
          واحتجوا بحديث الباب حديث أنس، وأمره بالصلاة وراء كل بر وفاجر، وروي أنه قال: ((أطعهم، وإن أكلوا مالك وضربوا ظهرك ما أقاموا الصلاة)).
          قال القاضي أبو بكر: ومما يوجب خلعه الجنون المطبق وذهاب تمييزه حتى يؤنس من صحته، والصمم والخرس والكبر والهرم، أو عرض له أمر يقطعه عن مصالح الأمة؛ لأنه إنما نصب لذلك؛ فإذا عطل ذلك وجب خلعه.