مجمع البحرين وجواهر الحبرين

باب: من شاق شق الله عليه

          ░9▒ باب من شاق شق الله عليه
          فيه حديث طريف أبي تميمة قال: شهدت صفوان وجندباً وأصحابه وهو يوصيهم.. الحديث.
          قال الخطابي: معنى الحديث من راءى بعلمه وسمع الناس ليكرموه بذلك ويعلموه فضحه الله به يوم القيامة، حتى يرى الناس ويسمعوا ما يحل به من / الفضيحة؛ عقوبة على ما كان منه في الدنيا من حب الشهرة والسمعة.
          وقال الداودي: يعني من سمع بمؤمن شيئاً ليشهر به أقامه الله يوم القيامة مقاماً يسمع به. ونقل صاحب ((العين)): سمعت بالرجل إذا أذعت عنه عيباً، والسمعة: ما سمع به من طعام أو غيره؛ ليرى ويسمع.
          ومصداق هذا الحديث في القرآن: {إِنَّ الَّذِينَ يُحِبُّونَ أَن تَشِيعَ الْفَاحِشَةُ} الآية [النور:19]، وهذا التفسير يأتي في قوله: ((من سمع منكم سمع الله به)) وقال أبو عبيد في حديث الباب قوله: ((من سمع الله بعمله سمع الله به خلقه، وحقره وصغره)).
          وروى بعضهم: ((أسامع خلقه)) يقال: سمعت بالرجل تسميعاً إذا نددت به وشهرته، فمن رواه: ((سامع خلقه)) برفع العين أراد سمع الله الذي هو سامع خلقه، جعل (سامع) من نعت (الله) المعنى نصر الله، ومن رواه ((أسامع خلقه)) بالنصب فهو جمع أسمع يقال: سمع وأسمع وأسامع جمع الجمع، يريد: أن الله يسمع أسامع خلقه بهذا الرجل يوم القيامة.
          ويحتمل أن يكون أراد أن الله يظهر للناس سريرته ويملأ أسماعهم بما ينطوي عليه من حيث السرائر جزاء لفعله، كما قال في موضع آخر: ((ومن تتبع عورات المسلمين تتبع الله عورته حتى يفضحه)).
          وقال ابن سيده: فعلت ذلك تسمعتك وتسمعه لك؛ أي: لتسمعه، وما فعلت ذلك رياء ولا سمعة، وقال اللحياني: ولا سمعة.
          وفي ((المغيث)) قيل: أي من سمع الناس بعمله سمعه الله وأراه ثوابه من غير أن يعطيه.
          قوله: (ومن يشاقق يشقق الله عليه) فالمشاقة لغة مشتقة من الشقاق، وهو الخلاف، ومنه: {وَمَن يُشَاقِقِ الرَّسُولَ} الآية [النساء:115].
          والمراد بالحديث النهي عن القول القبيح في المؤمنين، وكشف مساوئهم وعيوبهم، وقال الخطابي: يحتمل أن يكون معنى الحديث أن يضار الناس ويحملهم على ما يشق عليهم من الأمر.
          وقال الداودي: يعني الأعلى في الدين، دالًّا: ويحتمل أن المشاقة مفارقة الجماعة، فيكون ذلك من شقاق الخلاف، ورجحه الداودي.
          وفي الحديث: أن المجازاة قد تكون من جنس الذنب، ألا ترى قوله: ((من سمع سمع الله به)) إلى آخره، قال صاحب ((العين)): شق الأمر عليك شقة: أضر بك.
          وفي وصية أبي تميمة الحض على أكل الحلال والكف عن الدماء.
          قوله: (إن أول ما ينتن من الرجل بطنه) رويناه بضم الياء، قال في ((الصحاح)): نتن الشيء وأنتن بمعنى، فهو منتن، ومنتن بكسر الميم إتباعاً لكسرة التاء؛ لأن مفعلاً ليس من الأبنية، والنتن: الرائحة الكريهة.
          قوله: (ومن استطاع أن لا يحول بينه..) إلى آخره. سفك الدماء بغير حق من أكبر الكبائر بعد الشرك، قال تعالى: {وَمَن يَقْتُلْ مُؤْمِنًا مُّتَعَمِّدًا} الآية [النساء:93].
          قوله: (أهراقه) صوابه بفتح الهمزة مثل أسطاع يسطيع بقطع الألف، وهو يريد أراق، وتجعل الهاء عوضاً من ذهاب حركة عين الفعل، كما جعلت السين في أسطاع، وفي رواية أبي ذر: هراقه. وأما إهراقه بكسر الهمزة فلا يصح ذلك كما نبه عليه ابن التين.