مجمع البحرين وجواهر الحبرين

باب: هل يجوز للحاكم أن يبعث رجلًا وحده للنظر في الأمور؟

          ░39▒ باب هل يجوز للحاكم أن يبعث رجلاً وحده للنظر في الأمور؟
          فيه حديث أبي هريرة: ((واغد يا أنيس)) الحديث.
          وسلف وهو مطابق لما ترجم له من بعثه الحاكم رجلاً واحداً ينفذ حكمه، قاله المهلب، وفيه حجة لمالك في قوله: أنه يجوز أن ينفذ واحداً إلى إعذار من شهد عليه بحق، وأنه يجوز أن يتخذ رجلاً ثقة يكشف له عن حال الشهود في السر، وكذلك يجوز عندهم قبول الواحد فيما طريقه الإخبار ولم يكن طريقه الشهادة.
          وأصل الإعذار في قوله تعالى: {تَمَتَّعُواْ فِي دَارِكُمْ ثَلاَثَةَ أَيَّامٍ} [هود:65] وقوله: {إِنَّ مَوْعِدَهُمُ الصُّبْحُ} [هود:81].
          وفيه حجة لمن قال: إن القاضي يجوز أن يحكم على الرجل بإقرار دون بينة تشهد عنده بذلك الإقرار، وهو قول ابن أبي ليلى، وأبي حنيفة، وأبي يوسف، وقال مالك: لا يقضي على الرجل بإقراره حتى تشهد عنده بينة بذلك، وهو قول محمد بن الحسن.
          وفيه: نقض الصلح إذا خالف كتاب الله أو سنة أو إجماعاً.
          وفيه: تغريب الحر البكر بعد الجلد. وفيه: التوكيل على إقامة الحدود. وفيه أن من أقر على نفسه بالزنا مرة واحدة كفى.
          وفيه: أن الحدود لله تعالى لا يجوز أخذ العوض عنها وتركها.
          وفيه أن حد القذف لا يقيمه الإمام ما لم يقم به المقذوف.
          قوله: (لأقضين بينكما بكتاب الله) ثم قضى بالرجم، وليس هو في كتاب الله، فمعناه: والله أعلم: بحكم الله، قال تعالى: {كِتَابَ اللّهِ عَلَيْكُمْ} [النساء:24] أي: حكم الله عليكم فرضه.
          و(العسيف): الأجير.
          قوله: (فزنى بامرأته) وهذا قذف، ولم يحده ◙ وسقط حد القذف؛ للاعتراف منها بذلك.
          ولم يختلف أن حد البكر الجلد دون الرجم وحد الثيب الرجم.
          قال مالك: ويغرب المجلود من مصر إلى الحجاز، ومن المدينة إلى فدك وخيبر، وقال ابن القاسم: من مصر إلى أسوان ودونها، ويكتب إلى والي الموضع الذي يغرب إليه أن يسجنه سنة عنده، قال ابن حبيب: ويؤرخ يوم سجنه.
          قال والدي ⌂:
          (باب من لم يكترث) أي: لم يبال به ولم يعتد به.
          و(بعثا) أي: جيشاً، و(طعن) بالمجهول.
          فإن قلت: قال النحاة: الشرط سبب للجزاء مقدم عليه وهاهنا ليس كذلك قلت: يؤول مثله بالأخبار عندهم؛ أي: إن طعنتم فيه فأخبركم بأنكم طعنتم في أبيه ويلازمه عند البيانية أي: إن طعنتم فيه فأثمتم بذلك؛ لأنه لم يكن حقًّا، والغرض أنه كان خليقاً بالإمارة لما ظهر من كفايته وتفصيه عن عهدتها فكذا هنا فلا اعتبار لطعنكم ولا اكتراث به.
          قوله: (وايم الله) الهمزة للوصل، و(لخليقا) في بعضها: خليقا بدون اللام وجوزه ابن مالك وهذا من جملة أدلته.
          قوله: (الخصم) بكسر المهملة، و(الألد) الدائم الخصومة أي: الذي لا يرجع إلى الحق، وقال تعالى: {وَتُنذِرَ بِهِ قَوْمًا لُّدًّا} [مريم:97] أي: عوجاً جمع الأعوج.
          فإن قلت: (الأبغض) هو الكافر؟ قلت: معناه أبغض الكفار الكافر المعاند أو أبغض الرجال المخاصمين.
          قوله: (يجوز) أي: يظلم، و(رد) أي: مردودٌ يعني: ينقض حكمه.
          قوله: (أبو عبد الله) نعيم مصغراً ابن حماد الرفا بتشديد الفاء المروزي الأعور ذو التصانيف امتحن في القرآن وقيد فمات بسامراء محبوسا سنة تسع وعشرين ومائتين، و(خالد بن الوليد) سيف الله، و(بنو جذيمة) بفتح الجيم وكسر المعجمة قبيلة من عبد قيس، و(صبأ) الرجل إذا خرج من دين إلى دين، و(ما صنع / خالد) أي: من العجلة في قتلهم وترك التثبت في أمرهم، وأما خالد فيحتمل أنه لما رأى أن لفظ صبأ ليس صريحاً في الانتقال إلى الإسلام لم ير ذلك إيماناً حاقناً للدم أو حسب أنهم عدلوا عن اسم الإسلام أنفةً من الاستسلام له مر في المغازي.
          قوله: (أبو النعمان) بضم النون محمد بن الفضل، و(أبو حازم) بالمهملة والزاي سلمة المدني، و(بنو عمرو) بالواو ابن عوف بالفاء قبيلة (فإذن) فإن قلت: ليس محل الفاء سواء كان لما للشرطية أو للظرفية؟ قلت: جزاؤه محذوف وهو جاء المؤذن والفاء للعطف عليه.
          و(التصفيح) التصفيق وهو التصويت باليد، و(لا يُمسك) بلفظ المجهول، و(أمضه) من الإمضاء وهو الإنفاذ، و(هكذا) أي: مشيراً بالمكث في مكانه، و(هنية) مصغر الهنة أصلها: الهنوة أي: زماناً يسيراً، و(يحمد الله على قول النبي صلعم) المستفاد من الإشارة بالإمضاء والمكث في المكان والقهقرى نوعٌ من المسمى وهو الرجوع إلى خلف، و(مضيت) أي: نفذت، و(أبو قحافة) بضم القاف وخفة المهملة وبالفاء عثمان التيمي أسلم عام الفتح وعاش إلى خلافة عمر، ولم يقل لي أو لأبي بكر تحقيراً لنفسه واستصغاراً لمرتبته عند رسول الله صلعم، و(رابكم) أي: سنح لكم حاجة في بعضها نابكم أي أصابكم، و(ليسبح) أي: ليقل سبحان الله.
          وفيه فوائد كثيرة تقدمت في كتاب الصلاة في باب من دخل ليؤم الناس.
          قوله: (محمد بن عبيد الله) مصغراً أبو ثابت ضد الزائل مولى عثمان ☺، و(عبيد) بالضم ابن السباق بالمهملة وشدة الموحدة الثقفي مر مع الحديث في سورة براءة، و(اليمامة) بتخفيف الميم الأولى جارية زرقاء كانت تبصر الراكب من مسيرة ثلاثة أيام وبلاد الجو منسوبة إليها وهي من اليمن وفيها قتل مسيلمة الكذاب وقتل من القراء سبعون أو سبعمائة، و(استحر) أي: اشتد وكثر، و(خير) يحتمل أن يكون أفعل التفضيل وأن لا يكون.
          فإن قلت: كيف يكون فعلهم خيراً مما كان في زمان رسول الله صلعم؟ قلت: يعني هو خير في زمانهم وكذا الترك خيراً في زمانه لعدم تمام النزول واحتمال النسخ فلو جمعت بين الدفتين وسارت به الركبان إلى البلدان ثم ينسخ لأدى ذلك إلى اختلاف عظيم.
          و(العسب) جمع: العسيب وهو جريد النخل إذا نزع منه الخوص، و(اللخاف) بالمعجمة جمع: اللخفة الحجر الأبيض وقيل الخزف، و(خزيمة) مصغر الخزمة بالمعجمة والزاي ابن ثابت الأنصاري، و(أبو خزيمة) هو ابن أوس والشك من الراوي.
          فإن قلت: مر في باب جمع القرآن [أن] الآية التي مع خزيمة {مِنَ الْمُؤْمِنِينَ رِجَالٌ صَدَقُوا مَا عَاهَدُوا اللهَ عَلَيْهِ} [الأحزاب:23] من سورة الأحزاب؟ قلت: آية التوبة كانت عند النقل من العسب إلى الصحف وآية الأحزاب عند النقل من الصحيفة إلى المصحف.
          فإن قلت: كيف ألحقها بالقرآن وشرطه التواتر؟ قلت: معناه لم أجدها مكتوبة عند غيره.
          فإن قلت: لما كان متواتراً فما هذا التتبع؟ قلت: للاستظهار لا سيما وقد كتبت بين يدي رسول الله صلعم وليعلم هل فيها قراءة أخرى أم لا.
          فإن قلت: فما وجه ما اشتهر أن عثمان هو جامع القرآن؟ قلت: الصحف كانت مشتملة على جميع أحرفه ووجوهه التي نزل بها فجرد عثمان اللغة القرشية منها وكانت صحفاً فجعلها مصحفاً واحداً جمع الناس عليها وأما الجامع الحقيقي سوراً وآيات فهو رسول الله صلعم بالوحي وتقدم تحقيقه في براءة.
          قوله: (أبو ليلى) بفتح اللامين مقصوراً ابن عبد الله بن عبد الرحمن بن سهل بن أبي حثمة وقيل: أبو ليلى هو عبد الله ابن سهل بن عبد الرحمن بن سهل وقيل: لم يرو عنه إلا مالك فقط فهو نقض على قاعدة (خ) حيث قالوا شرطه أن يكون لراويه راويان.
          و(سهل بن أبي حثمة) بفتح المهملة وإسكان المثلثة الأنصاري الحارثي، و(كبراء قومه) أي: عظماؤهم، و(عبد الله) ابن سهل بن زيد بن كعب الحارثي، و(محيصة) بضم الميم وفتح المهملة وأما التحتانية فمشددة مكسورة ومخففة ساكنة وبإهمال الصاد ابن مسعود بن كعب الحارثي، و(جهد) بالفتح / الفقر والاشتداد ونكادة العيش، و(الفقير) بالفاء والقاف والراء فم القناة، و(الحفيرة) التي يغرس فيها الفسيل، و(حويصة) بالمهملتين على وزن محيصة في الوجهين، و(هو) أي: حويصة أكبر يروى أنه لما أمره صلعم بقتل اليهود وثب محيصة على يهودي فقتله فجعل حويصة يضرب محيصة قائلاً أي عدو الله أقتلته أما والله لرب شحم في بطنك من ماله فقال له محيصة: والله لقد أمرني بقتله من لو أمرني بقتلك لضربت عنقك؟ فقال: والله إن هذا الدين لعجب فأسلم حويصة.
          قوله: (كبر) أي: قدم الأسن في الكلام، و(يدوا) أي: إما أن اليهود يعطوا دية صاحبكم، و(كتبوا) في بعضها كتب أي الحي المسمى باليهود، وفيه تكلف.
          و(أدخلت) بالمجهول، واعلم أن الدعوى كانت لأخيه عبد الرحمن لا لابني عمه أو عم أبيه أو لابني أخيه على اختلاف فيه، وإنما أمر صلعم أن يتكلم الأكبر ليحقق صورة القضية وكيفيتها فإذا أراد حقيقة الدعوى بتكلم صاحبها أو معناه: وكل الأكبر بالدعوى.
          فإن قلت: كيف عرضت اليمين على الثلاثة وإنما هي للوارث خاصة وهو أخوه؟ قلت: كان معلوماً عندهم أن اليمين تختص به فأطلق الخطاب لهم؛ لأنه كان لا يعمل شيئاً إلا بمشورتهما إذ هو كان كالولد لهما وإنما عقله رسول الله صلعم من عنده قطعاً للنزاع وجبراً لخاطرهم وإلا فاستحقاقهم لم يثبت وشرح الحديث مع أحكام القسامة وأنها مخالفة لسائر الدعاوي مر أولاً في آخر الجهاد.
          قوله: (ابن أبي ذئب) بلفظ الحيوان المشهور محمد، و(زيد ابن خالد الجهني) بضم الجيم وفتح الهاء وبالنون، و(العسيف) بفتح المهملة الأولى الأجير، و(رد) أي: مردودٌ، ويجب الرد عليك، و(أنيس) مصغر أنس ابن الضحاك الأسلمي على الأصح والمرأة كانت أسلمية، و(فارجمها) أي: إن اعترفت فارجمها.
          صرح به في سائر الروايات قالوا كان بعثه لإعلام المرأة بأن الرجل قذفها بابنه فيعرفها بأن لها عنده حد القذف فتطالب به أو تعفو عنه إلا أن تعترف بالزنا فيجب عليها الرجم؛ لأنها كانت محصنة، وذلك لأن حد الزنا لا يحتاط بالتجسس بل لو أقر الزاني به يلقن الرجوع عنه مر مراراً.