مجمع البحرين وجواهر الحبرين

باب من استرعي رعيةً فلم ينصح

          ░8▒ باب من استرعى رعية فلم ينصح
          فيه حديث أبي الأشهب، واسمه: / جعفر بن حسان العطاردي البصري الحذاء الأعمى عن الحسن أن عبيد الله بن زياد عاد معقل بن يسار.. إلى آخره.
          هذا حديث عظيم، وفيه وعيد شديد على أئمة الجور. وفي رواية الإسماعيلي: فقال ابن زياد لمعقل: فهلا قبل اليوم. فقال: لولا أني ميت ما حدثتك.
          ومعنى (يحطها): يكلؤها ويرعاها هو ثلاثي بفتح الياء. من حاطه يحوطه، يقال: مع فلان حيطة لك؛ أي: تحنن وتلطف.
          قوله: (يجد رائحة الجنة) قال الداودي: يحتمل أن يريد إلا أن يغفر الله له، وهذا مذهب أهل السنة، ويحتمل أن يريد الكافر؛ لأن المؤمن لا بد له من نصيحة، ولقوله ◙: ((يخرج من النار من كان في قلبه مثقال ذرة من إيمان)).
          قوله: (يلي) ماضيه ولي بالكسر فيكون مستقبله يولي بالفتح لكنه شاذ، مثل: ورث يورث.
          ومعقل بن يسار بالعين المهملة والقاف.
          والنصيحة فرض على الوالي لرعيته، وقد قال ◙: ((الأمير راع ومسئول عن رعيته)) فمن ضيع من استرعاه الله أمرهم، أو خانهم أو ظلمهم، فقد يوجه إليه الطلب بمظالم العباد يوم القيامة، فكيف يقدم على التحلل من ظلم أمة عظيمة.
          ويجب على الوالي أن لا يحتجب على المظلومين، فقد روى أبو مريم الفلسطيني الصحابي مرفوعاً: ((من ولي من أمور الناس شيئاً فاحتجب عن خلتهم وحاجتهم وفاقتهم، احتجب الله عن حاجته وخلته وفاقته))(1).
          ويجب على الوالي ألا يولي أحداً من عصابته، وفي الناس من هو أرضى منه، فقد روي عن ابن عباس مرفوعاً: ((إنهم إن فعلوا ذلك فقد خانوا الله ورسوله وخانوا جميع المؤمنين)).
          قال والدي ⌂:
          (كتاب الأحكام) الحكم هو إسناد أمر إلى آخر إثباتاً أو نفياً وفي اصطلاح الأصوليين خطاب الله المتعلق بأفعال المكلفين بالاقتضاء أو التخيير، وأما خطاب السلطان للرعية وخطاب السيد لعبده فوجوب طاعته هو بحكم الله تعالى.
          قوله: (وأولي الأمر) هم الأمراء وقيل: العلماء والطاعة هي الإتيان بالمأمور به والانتهاء عن المنهي عنه والمعصية خلافه.
          قوله: (فقد أطاع الله) يحتمل أن يكون ذلك لأن الله تعالى أمر بطاعة رسوله وكذا الرسول أمر بطاعة أميره، أو لأن طاعة الرسول هي نفس طاعة الله؛ لأنه ◙ لا يأمر إلا بما أمره به ربه تعالى.
          قوله: (رعيته) بفتح الراء وشدة التحتانية، وأصل الرعاية حفظ الشيء وحسن التعهد فيه لكن يختلف فرعاية الإمام هو ولاية أمور الرعية وإقامة حقوقهم ورعاية المرأة حسن التعهد في أمر بيت زوجها ورعاية الخادم هو حفظ ما في يده والقيام بالخدمة ونحوه والحاصل أن كل من كان من نظره شيء فهو مطالب بالعدل فيه والقيام بمصالحه في دنياه وآخرته.
          فإن قلت: إذا لم يكن إماما ولا يكون له أهل وسيد وأب وأمثاله فعلام رعايته؟ قلت: على أصدقائه وأصحاب معاشرته.
          فإن قلت: إذا كان كل منا راعياً فمن المرع؟ قلت: أعضاؤه وجوارحه وقواه وحواسه إذ الراعي يكون مرعيًّا باعتبار آخر ككونه مرعيًّا للإمام راعياً لأهله، أو الخطاب خاص بأصحاب التصرفات مر الحديث في الجمعة.
          قوله: (محمد بن جبير) مصغر ضد الكسر ابن مطعم بفاعل الإطعام، و(هم) أي: هو وأصحابه، و(عبد الله) هو ابن عمرو بن العاص، و(قحطان) بفتح القاف وإسكان المهملة الأولى وبالنون أبو اليمن، و(لا تؤثر) أي: لا تروى، و(الأماني) بالتخفيف والتشديد، و(هذا الأمر) أي: الخلافة، و(كبه الله) أي: ألقاه وهو من الغرائب إذا كب لازم وكب متعد عكس المشهور.
          فإن قلت: هذا لا ينافي كلام عبد الله لإمكان ظهوره عند عدم إقامتهم الدين؟ قلت: هو غرضه أنه لا اعتبار له إذ / ليس لا في كتاب ولا في السنة.
          فإن قلت: مر آنفاً في باب تغيير الزمان عن أبي هريرة أن رسول الله صلعم قال: لا تقوم الساعة حتى يخرج رجل من قحطان يسوق الناس بعصاه؟ قلت: هذا رواية أبي هريرة وربما ما بلغ معاوية وأما عبد الله فلم يرفعه مر في مناقب قريش.
          قوله: (هذا الأمر) أي: الإمامة فإن قلت: فكيف خلا زماننا عن خلافتهم؟ قلت: لم يخل إذ في المغرب خليفة منهم على ما قيل وكذا في مصر.
          قوله: (شهاب بن عباد) بفتح المهملة وشدة الموحدة الكوفي، و(إبراهيم بن حميد) بالضم تقدما في الكسوف، و(الهلكة) بالمفتوحات الهلاك والتسليط عليه هو الإهلاك، و(الحكمة) العلم الوافي، والمراد به علم الدين.
          فإن قلت: الحسد مطلقاً مذموم؟ قلت: هذا ليس حسداً بل غبطة ويطلق أحدهما على الآخر أو معناه لا حسد إلا فيهما وما فيهما ليس بحسد فلا حسد كقوله تعالى: {لَا يَذُوقُونَ فِيهَا الْمَوْتَ إِلَّا الْمَوْتَةَ الْأُولَى} [الدخان:56] مر في العلم في باب الاغتباط.
          قوله: (أبو التياح) بفتح الفوقانية وشدة التحتانية وبالمهملة، يزيد من الزيادة الضبعي، و(الزبيبة) بفتح الزاي، الحبة من العنب اليابسة والسوداء أراد بها: صغر رأسه وبيان حقارة صورته على سبيل المبالغة وهذا في الأمراء والعمال دون الخلفاء؛ لأن الحبشة لا تتولى الخلافة لأن الأئمة من قريش. الخطابي: العرب لا يعرفون الإمارة فحضهم رسول الله على طاعتهم والانقياد لهم في المعروف إذا بعثهم في السرايا وإذا ولاهم البلدان لئلا تتفرق الكلمة.
          قوله: (الجعد) بفتح الجيم وإسكان المهملة الأولى ابن دينار الصيرفي، و(أبو رجاء) ضد الخوف عمران العطاردي.
          فإن قلت: ما فائدة كلمة يرويه؟ قلت: الإشعار بأن الرفع إلى النبي صلعم أعم من أن يكون بالواسطة أو بدونها.
          و(فيموت) بالنصب والرفع(2) نحو ما تأتينا فتحدثنا، و(الميتة) بكسر الميم أي: كالميتة الجاهلية حيث لا إمام لهم ولا يراد به أن يكون كافراً مر قريباً.
          قوله: (على المرء) أي: ثابت أو واجب عليه، و(سعيد بن عبيدة) مصغر ضد الحرة أبو حمزة بالزاي ختن أبي عبد الرحمن السلمي بضم المهملة، و(السرية) قطعة من الجيش نحو ثلاثمائة أو أربعمائة، و(رجلا) هو عبد الله بن حذافة بضم المهملة وخفة المعجمة السهمي، و(لما جمعتم) أي: إلا جمعتم جاء لما بمعنى كلمة الاستثناء ومعناه ما أطلب منكم إلا جمعكم ذكره الزمخشري في المفصل.
          و(أفتدخلها) الهمزة للاستفهام.
          قوله: (لما خرجوا) فإن قلت: ما وجه الملازمة؟ قلت: الدخول فيها معصية فإذا استحلوها كفروا وهذا جزاء من جنس العمل. وقال بعضهم: أراد بالأبد أبد الدنيا أي لو دخلوا فيها لماتوا فيها ولم يخرجوا منها مدة الدنيا مر الحديث في المغازي.
          قوله: (حجاج) بفتح المهملة ابن المنهال بكسر الميم وسكون النون، و(جرير) بفتح الجيم وكسر الراء الأولى ابن حازم بالمهملة والزاي، و(الحسن) أي: البصري، و(عبد الرحمن بن سمرة) بفتح المهملة وضم الميم وبالراء، و(وكلت) بالتخفيف، و(أبو معمر) بفتح الميمين عبد الله، و(كفر) هو هنا مذكور بعد الإتيان وفي الحديث السابق قبله.
          وفيه إشعار بأنه لا ترتيب بين الحنث والكفارة فجاز تقديمها عليه مر في أول كتاب اليمين.
          قوله: (ابن أبي ذئب) بالحيوان المشهور محمد، و(ستحرصون) بكسر الراء وفتحها، و(نعم المرضعة) أي: نعم أولها، و(بئست الفاطمة) أي: بئس آخرها وذلك لأن فيها المال والجاه واللذات الحسية والوهمية أولاً لكن آخرها القتل والعزل ومطالبات التبعات في الآخرة.
          قوله: (محمد بن بشار) بالمعجمة الشديدة، و(عبد الله بن حمران) بضم المهملة وإسكان الميم وبالراء الأموي، و(عبد الحميد) ابن جعفر الأوسي المدني، و(عمر بن / الحكم) بالفتحتين الأنصاري وفي هذا الطريق أثبت الواسطة بين سعيد وأبي هريرة بخلاف الطريقة السابقة، و(محمد بن العلاء) بالمد، و(بريد) مصغر البرد بالموحدة والراء، و(أبو بردة) بضم الموحدة، و(استرعى) بلفظ المجهول واستحفظ، و(لم ينصح) إما بتضييعه تعريفهم ما لم يلزمهم من دينهم أو بإهمال حدودهم وحقوقهم أو ترك حماية حوزتهم أو العدل فيهم.
          قوله: (أبو الأشهب) بالمعجمة جعفر العطاردي مر في تفسير سورة والنجم، و(الحسن) أي: البصري، و(عبيد الله بن زياد) بكسر الزاي وخفة التحتانية ابن أبي سفيان كان يومئذ أميراً بالبصرة، و(معقل) بفتح الميم وإسكان المهملة وكسر القاف ابن يسار ضد اليمين المزني بالزاي والنون، و(لم يحطهما) من الحياطة وهو الحفظ والتعهد، و(لم يجد رائحة الجنة) إما تغليط وإما للمستحل وإما أنه لم يجد رائحتها مع الفائزين الأولين؛ لأنه ليس عامًّا في جميع الأزمان.
          فإن قلت: مفهوم الحديث أنه يجدها عكس المقصود؟ قلت: لا مقدر أي إلا لم يجد أو الخبر محذوف أي ما من عبد كذا إلا حرم الله عليه الجنة ولم يجد استئناف كالمفسر له، أو ما ليست للنفي وجاز زيادة من للتأكيد في الإثبات عند بعض النحاة وفي بعض النسخ إلا لم يجد بزيادة إلا تصريحاً بالمراد.
          قوله: (الحسين بن علي الجعفي) بضم الجيم وإسكان المهملة وبالفاء، و(زائدة) فاعلة من الزيادة ابن قدامة بالضم الثقفي، و(هشام) ابن عروة، و(الغاش) ضد الناصح، و(حرم) أي في أول الحال، أو هو للتغليظ أو عند الاستحلال.
          الزركشي:
          (من أطاعني فقد أطاع الله) الحديث قال الخطابي: كانت قريش وغيرهم من العرب لا يعرفون الإمارة فكانوا يطعنون على الأمراء، فقال رسول الله صلعم هذا القول يحضهم على طاعتهم والانقياد لهم لما يأمرون به من المعروف، وأن لا يخرجوا عليهم لئلا تتفرق الكلمة.
          وإنكار معاوية على عبد الله بن عمرو سبق في المناقب.
          (إياكم والأماني) بتشديد الياء.
          (لا حسد إلا في اثنتين، رجل) بالجر والرفع والنصب، توجيهه سبق في العلم.
          (اسمعوا وأطيعوا وإن استعمل عليكم عبد حبشي) قيل: هو على المبالغة، فإن الحبشة لا تولى الخلافة، وقيل: بل على الحقيقة في الإمارة والعمالة دون الخلافة.
          قوله: (كأن رأسه زبيبة) والحبشة يوصف رأسها بالصغر، وذلك يقتضي نوعاً من الحقارة، يحض على طاعتهم مع حقارتهم.
          (ميتة جاهلية) بكسر الميم، وقد سبق.
          (عن علي قال: بعث النبي صلعم سرية وأمر عليهم رجلاً من الأنصار) هذا غلط من الراوي عن علي أو من دونه؛ لأنه عبد الله بن حذافة حامل كتاب النبي صلعم إلى كسرى، وقد هاجر إلى الحبشة في قول ابن إسحاق والواقدي. وقيل: إنه شهد بدراً، وإنما أمرهم بدخول النار مداعبة منه ليستفزهم، وإشارة إلى أن مخالفتي توجب دخول النار، إذا شق عليكم دخول هذه النار فكيف تصبرون على النار الكبرى، ولو رأى منهم الجد في ولوجها لمنعهم.
          وأما قوله صلعم: (لو دخلوها ما خرجوا منها) فالمعنى: قد علموا أن الطاعة لا تكون في المعصية.
          (وكلت إليها) بكاف مكسورة مخففة؛ أي: رددت إليها واعتمدت عليها.
          (فنعمت المرضعة وبئست الفاطمة) ضرب المرضعة مثلاً للإمارة وما توصله إلى صاحبها من المنافع، وضرب الفاطمة مثلاً للموت الذي يهدم عليه لذاته ويقطع منافعها دونه.
          (فلم يحطها بنصحه) أي: يذب عنها ويصونها، يقال: حاطه وأحاط به.


[1] في هامش المخطوط: ((أقول: قال في ((التجريد)) أبو مريم السكوني روى عنه عبادة بن نسيء والقاسم بن مخيمرة وجماعة نزل في فلسطين ولم يسمه الذهبي في ((التجريد)))).
[2] في المخطوط: ((وللنفع)) ولعل الصواب ما أثبتناه.