مجمع البحرين وجواهر الحبرين

باب الشهادة على الخط المختوم

          ░15▒ باب الشهادة على الخط المختوم، وما يجوز من ذلك
          وقال بعض الناس: كتاب الحاكم جائز.. إلى آخره.
          أثر إبراهيم أخرجه ابن أبي شيبة عن عيسى بن يونس، عن عبيدة، عن إبراهيم أنه قال: كتاب القاضي إلى القاضي جائز، وأثر الشعبي أخرجه أيضاً عن حميد بن عبد الرحمن، عن حسن بن صالح، عن عيسى بن أبي عزة قال: كان عامر يجيز الكتاب المختوم يجيئه من القاضي.
          وعبدة بفتح الباء، وقيل: بسكونها ذكره ابن ماكولا.
          روى له (م) في مقدمة كتابه عن ابن مسعود، وعنه المسيب بن رافع.
          وبجالة بن عبدة السالف في الجزية بالتحريك أيضاً تميمي كاتب جُزء بن معاوية، عم الأحنف بن قيس بن معاوية، عن عمر، وعنه عمرو بن دينار لا ثالث لهما في الصحيح، وما عداهما عبدة بسكون الباء، وسلف أول الكتاب.
          وتعليق معاوية بن عبد الكريم أخرجه وكيع بن الجراح في ((مصنفه)) وهو الضال؛ لأنه ضل في طريق مكة، انفرد بذكره (خ) وهو ثقة وإن أدخله (خ) في ((الضعفاء)) يحول منه، مات سنة ست وثمانين ومائة.
          وابن أبي ليلى هو محمد بن عبد الرحمن بن أبي ليلى، وكتاب رسول الله إلى خيبر، سلف مسنداً في القسامة.
          وتعليق الزهري أخرجه ابن أبي شيبة، عن عمر بن أيوب، عن جعفر بن برقان، عنه.
          وتعليق الحسن أخرجه أيضاً عن حفص بن عمرو عنه.
          وتعليق أبي قلابة عبد الله بن زيد الجرمي رواه وكيع، عن ابن عون عن قتادة، عنه.
          وحديث الخاتم سلف.
          واتفق جمهور العلماء على أن الشهادة على الخط لا تجوز إذا لم يذكر الشهادة ولم يحفظها، فلا يشهد أبداً إلا على شيء يذكر. قال الشعبي: لا تشهد أبداً إلا على شيء يذكر، فإنه من شاء انتقش خاتماً، ومن شاء كتب كتاباً.
          وممن رأى أن لا يشهد على الخط وإن عرفه حتى يذكر الشهادة الكوفيون والشافعي وأحمد وأكثر أهل العلم، وقد فعل مثل هذا في أيام عثمان صنعوا مثل خاتمه وكتبوا مثل كتابه في قصة مذكورة في مقتل عثمان.
          وأحسن ما يحتج به في مثل هذا الباب بقوله تعالى: {وَمَا شَهِدْنَا إِلاَّ بِمَا عَلِمْنَا} [يوسف:81]، وقوله: {إِلَّا مَن شَهِدَ بِالْحَقِّ وَهُمْ يَعْلَمُونَ} [الزخرف:86].
          وأجاز مالك الشهادة على الخط، روى ابن وهب عنه في رجل يذكر حقًّا قد مات شهوده فيأتي بشاهدين عدلين يشهدان على كتابة كاتب ذكر الحق قال: تجوز شهادتهما على كتابة الكاتب. يعني: إذا كان قد كتب شهادته على المطلوب بما كتب عليه في ذكر الحق؛ لأنه قد يكتب ذكر الحق من لا يشهد على المذكور عليه.
          قال ابن القاسم: وإن كان على خط اثنين جاز وكان / بمنزلة الشاهدين إذا كان عدلاً مع يمين الطالب.
          وذكر ابن شعبان، عن ابن وهب أنه قال: لا آخذ بقول مالك في الشهادة على معرفة الخط، ولا تقبل الشهادة فيه.
          وقال الطحاوي: خالف مالك جميع الفقهاء في الشهادة على الخط وعدُّوا قوله شذوذاً، إذ الخط قد يشبه الخط، وليست شهادة على قول منه ولا معاينة فعل.
          وقال محمد بن حارث: الشهادة على الخط خطأ؛ لأن الرجل قد تكتب شهادته على من لا يعرف بعينه طمعاً ألا يحتاج إليه في ذلك وأن غيره يغني عنه، أو لعله يشهد في قرب من وقت الشهادة فذكر العين.
          قال: ولقد قلت لبعض القضاة: أتجوز شهادة الموتى؟ فقال: ما الذي تقول؟ فقلت: إنكم تجيزون شهادة الرجل بعد موته إذا وجدتم خطه في وثيقة. فسكت.
          وقال محمد بن عبد الحكم: لا يقضى في دهرنا بالشهادة على الخط؛ لأن الناس قد أحدثوا ضروباً من الفجور.
          وأما اختلاف الناس في كتب القضاة، فذهب جمهور العلماء إلى أن كتب القضاة إلى القضاة جائز في الحدود وسائر الحقوق، وذهب الكوفيون إلى أنها تجوز في كل شيء إلا في الحدود، وهو أحد قولي الشافعي، وله قول مثل قول الجمهور.
          وحجة (خ) على الكوفي فيما قصه في جواز ذلك في قتل الخطأ، وأنه إنما صار مالاً بعد ثبوت القتل فهي حجة حسنة.
          وذكر أن عمر بن عبد العزيز كتب إلى عماله في الحدود، وأحكامه حجة، ولا سلف لأبي حنيفة في قوله.
          وذكر (خ) عن جماعة من قضاة التابعين وعلمائهم أنهم كانوا يجيزون كتب القضاة إلى القضاة بغير شهود عليها إذا عرف الكتاب والخاتم.
          وحجتهم: أنه ◙ بعث بكتبه إلى خيبر وإلى الروم، ولم يذكر أنه أشهد عليها.
          وأجمع فقهاء الأمة وحكامها على فعل سوار وابن أبي ليلى، فاتفقوا أنه لا يجوز كتاب قاض إلى قاض حتى يشهد عليه شاهدان؛ لما دخل الناس من الفساد واستعمال الخطوط ونقوش الخواتيم فاحتيط لتحصين الدماء والأموال بشاهدين.
          وروى ابن نافع عن مالك قال: كان من أمر الناس القديم إجازة الخواتيم حتى إن القاضي ليكتب للرجل الكتاب مما يريد على ختمه فيجاز له، حتى اتهم الناس فصار لا يقبل إلا بشاهدين.
          واختلف إذا أشهد القاضي شاهدين على كتابه ولم يقرأه عليهما ولا عرفهما بما فيه فقال مالك: يجوز ذلك ويلزم القاضي المكتوب إليه قبوله بقول الشاهدين: هذا كتابه ودفعه إلينا مختوماً.
          وقال أبو حنيفة والشافعي وأبو ثور: إذا لم يقرأه عليهما القاضي، لم يجز ولم يعمل القاضي المكتوب إليه بما فيه، وروي عن مالك مثله.
          واختلف إذا انكسر ختم الكتاب، فقال أبو حنيفة وزفر: لا يقبله الحاكم المكتوب إليه. وقال أبو يوسف: يقبله، ويحكم به إذا شهدت به البينة، وهو قول الشافعي.
          قال الداودي: كان الناس على ما ذكره (خ) يقبلون الخط والكتاب المختوم حتى أحدث الناس ما أحدثوا، فطلبوا البينة على الكتاب، فإن شهدت بينة على كتاب يكون بأيديهم ولم يعلموا ما فيه، إلا إنهم شهدوا عليه وهو مختوم فكان بأيديهم جازت الشهادة، وإن شهدوا على ما فيه كان أحوط.
          قال ابن القاسم وغيره: ويعمل على كتاب القاضي في الزنا رجلان. وقال سحنون: لا يقبل فيه إلا أربعة.
          قوله: (وكره الحسن..) إلى آخره، قال الداودي: هذا الصواب الذي لا شك فيه أنه لا يشهد على وصية حتى يعرف ما فيها، وتعقبه ابن التين فقال: لا أدري لم صوبه وهي إن كان فيها جور يوجب الحكم إلا بمضي لم يمض، وإن كان يوجب الحكم أمضاه.
          وقول الزهري في الشهادة على المرأة من وراء الستر: إن عرفتها فاشهد. صحيح، ومذهب مالك جواز شهادة الأعمى في الإقرار وفي كل ما طريقه الصوت سواء عنده تحملها أعمى، أو بصيراً ثم عمي.
          وقال أبو حنيفة والشافعي / : لا تقبل إذا تحملها أعمى، ودليل قول مالك أن الصحابة والتابعين رووا عن أمهات المؤمنين من وراء حجاب وميزوا أشخاصهم بالصوت، وكذا ذكر ابن أم مكتوم، ولم يفرقوا بين ندائه ونداء بلال إلا بالصوت، ولأن الإقدام على الفروج أعلا من الشهادة بالحقوق، والأعمى له وطء زوجته، وهو لا يعرفها إلا بالصوت وهذا لم يمنع منه أحد.
          والوبيص البريق واللمعان، وكذا الوميض والبصيص.
          وفيه جواز نقش الخاتم، ونقشه محمد رسول الله. كما هنا، وروي: لا إله إلا الله محمد رسول الله. ذكره في ((جامع المختصر)) وتختم مرة بفص ومرة بخاتم فضة حبشي، وكان نقش خاتم ملك الموت: حسبي الله ونعم الوكيل.