مجمع البحرين وجواهر الحبرين

باب من قضي له بحق أخيه فلا يأخذه

          ░29▒ باب من قضي له بحق أخيه فلا يأخذه
          فيه حديث أم سلمة السالف قريباً.
          وقول ابن عيينة عن ابن شبرمة: القضاء فيهما سواء. ذكره سفيان في ((جامعه)) كذلك.
          وحديث عائشة في قصة عتبة، وسلف أيضاً وقد أجمع الفقهاء أن حكم الحاكم لا يخرج الأمر عما هو عليه في الباطن، وإنما ينفذ حكمه في الظاهر الذي يعتد به، ولا يحل للمقضي له مال المقضي عليه إذا ادعى عليه ما ليس عنده، ووقع الحكم بشاهدي زور، فالعلماء مجمعون أن ذلك في الفروج والأموال سواء؛ لأنها كلها حقوق لقول الله تعالى: {وَلاَ تَأْكُلُواْ أَمْوَالَكُم بَيْنَكُم بِالْبَاطِلِ} [البقرة:188]، وهو قول أبي يوسف.
          قال ابن بطال: وشذ أبو حنيفة ومحمد فقالا: ما كان من تمليك مال فهو على حكم الباطل.
          كما قال رسول الله: ((فمن قضيت له بشيء من حق أخيه فلا يأخذه، فإنما أقطع له قطعة من النار)) وما كان من حل عصمة النكاح أو عقدها غير داخل في النهي، وهو بعد شاهداً زور الشهادة على امرأة أنها قد رضيت بنكاح رجل، وقضى الحاكم عليها بذلك لزمها النكاح، ولم يكن لها الامتناع ولو تعمد رجلان الشهادة بالزور على رجل أنه طلق امرأته، فقبل القاضي شهادتهما، لعدالتهما عنده، وفرق بينهما ثم اعتدت جاز لأحد الشاهدين أن يتزوجها وهو عالم أنه كان كاذباً في شهادته؛ لأنه لما حلت للأزواج في الظاهر كان الشاهد وغيره سواء؛ لأن قضاء القاضي قطع عصمتها وأحدث في ذلك التحليل والتحريم في الظاهر والباطن جميعاً، ولولا ذلك ما حلت للأزواج(1).
          واحتجا بحكم اللعان، وقالا: معلوم أن الزوجة إنما وصلت إلى فراق زوجها باللعان والكاذب الذي لو علم الحاكم كذبها فيه لحدها وما فرق بينهما، فلم يدخل هذا في عموم قوله: ((فمن قضيت له..)) إلى آخره.
          واحتج أصحاب مالك والشافعي وغيرهم بحديث أم سلمة وحديث عائشة، وقالوا: قوله: ((فمن قضيت..)) إلى آخره، فيه بيان واضح أن حكمه بما ليس للمحكوم له لا يجوز له أخذه وأنه حرام عليه باطناً، وهو يشتمل على كل حق، فمن فرق بين بعض الحقوق فعليه الدليل.
          ومثل هذا حكمه في ابن وليدة زمعة أباً لزمعة من أجل الفراش الطاهر، ولم يلحقه بعتبة، ثم لما رأى شبهاً بيِّناً بعتبة قال لسودة زوجته: ((احتجبي منه)) لجواز أن يكون من زنا.
          فلو كان حكمه يقع ظاهراً وباطناً لم يأمرها به منه مع حكمه بأنه أخوها.
          ومن طريق الاعتبار أنا قد اتفقنا على أنه لو ادعى إنسان على حرة أنها أمته وأقام شاهدي زور لم تكن أمته باطناً من أجل حكم الحاكم، فكذلك في الفروج كلها(2).
          وكذلك لو ادعى على ابنته أو أخته أنها زوجته وأقام شاهدي زور وحكم الحاكم بالزوجية، فإن أبا حنيفة يقول: لا تكون زوجته، ثم فرق بين المحرمة بالنسب وبين زوجة غيره ولا فرق بينهما؛ لأنه لما كان حكم الحاكم لا يبيح المحرمة بالنسب، فكذلك لا يبيح / المحرمة بنكاح غيره.
          وحديث أم سلمة سلف.
          وحديث عائشة فيه إلحاق الولد بالفراش، وقبول وصية الكافر إذا [لم] يكن ضرر على أهل الإسلام، وثبوت فراش أهل الكفر وأن الأخ لا يستلحق، والإشارة إلى القول بالقافة؛ لأمره لسودة بالاحتجاب منه لما رأى من شبهه بعتبة.
          قوله: (فتساوقا إلى رسول الله) أي: للحكم بينهما، والمساوقة لغة: مجيء واحد بعد آخر، والمراد هنا المسارعة.
          قوله: (هو لك) أي: أنه هو ابن أمته.
          والعاهر: الزاني، وقيل: أراد الحجر الذي يرمي به المحصن. والظاهر أنه أراد به معنى الذم كما يقال: بفيه الحجر.
          قوله: (فما رآها حتى لقي الله) فيه امتثال منها لأمره ◙.


[1] في هامش المخطوط: ((أقول: فعلى هذا كل من أراد أن ينكح زوجة غيره فليشهد على زوجها أنه طلقها زوراً ثم يتزوجها وهذا أمر فظيع منكر عظيم)).
[2] في هامش المخطوط: ((أقول: هذا مشكل وذلك أن النسب لا يثبت بالزنا فكيف منع سودة؟)).