مجمع البحرين وجواهر الحبرين

باب: إذا قضى الحاكم بجور أو خلاف أهل العلم فهو رد

          ░35▒ باب إذا قضى الحاكم بجور أو خلاف أهل العلم فهو مردود
          فيه حديث ابن عمر قال: بعث النبي صلعم خالد بن الوليد إلى بني جذيمة.. الحديث. سلف في المغازي.
          وجذيمة: ابن عامر بن عبد مناة بن كنانة، أهل الغميضاء / بين مكة واليمن.
          قال الداودي: لم ير ◙ على خالد قوداً؛ لأنه متأول ولم يذكر فيه دية ولا كفارةً، فإما أن يكون ذلك قبل نزول الآية، أو سقط ذلك عن المحدث، أو سكت عنه لعلم السامع به.
          وقال الخطابي: إنما نقم ◙ على خالد؛ لاستعجاله في شأنهم، وترك التثبت في أمرهم إلى أن يشتري ما أرادوا بقولهم: صبأنا؛ لأن الصبأ مقتضاه خروج من دين إلى دين.
          قوله: (أبرأ إليك من فعل خالد) على وجه الإنكار عليه، والتعريف بأنه لم يأذن له في ذلك لئلا يعتقد أن فعل خالد كان بإذنه، ولينتهي غيره عن مثل ذلك.
          ولم يختلف العلماء أن القاضي إذا قضى بجور أو بخلاف أهل العلم فهو مردود، فإن كان على وجه الاجتهاد والتأويل كما صنع خالد فإن الإثم ساقط فيه، والضمان لازم في ذلك عند عامة أهل العلم، إلا أنهم اختلفوا في ضمان ذلك على ما يأتي بيانه.
          ووجه موافقة الحديث للترجمة قوله ◙: ((اللهم إني أبرأ إليك مما صنع خالد)) يدل تبرؤه من قتل خالد للذين قالوا: صبأنا أن قتله لهم حكم منه بغير الحق؛ لأن الله تعالى يعلم الألسنة كلها، ويقبل الإيمان من جميع أهل الملل بألسنتهم، لكن عذره الشارع بالتأويل إذ كل متأول فلا عقوبة عليه ولا إثم.
          واختلف في ضمان خطأ الحاكم، فقالت طائفة: إذا أخطأ في حكمه في قتل أو جراح فدية ذلك في بيت المال، هذا قول الثوري وأبي حنيفة وأحمد وإسحاق.
          وقالت أخرى: هو على عاقلة الإمام والحاكم. وهذا قول الأوزاعي وأبي يوسف ومحمد والشافعي، وليس فيها جواب لمالك.
          وقال في الشاهدين إذا شهدا في دم أو عتق أو طلاق فقال ابن القسم كقول الأوزاعي ويكون عليها قيمة العبد في العتق وقصاص الفعل في أموالهما وهو قول أشهب في الشاهدين وقال في الأموال: مضمونة بالخطأ كما هي بالعمد وليست كالدماء وهو قول أصبغ، وقال ابن الماجشون: ليس على الحاكم شيء من الدية في ماله ولا على عاقلته ولا على بيت المال، وكذلك قال في الشاهدين إذا رجعا عن شهادتهما وادعيا الغلط أنه لا غرم عليها وهو قول محمد بن مسلمة.
          وحجة من لم يوجب الدية أنه لم يرد في الحديث أنه ◙ أغرمه الدية ولا غرمها عنه؟ قلت: صحح الحاكم أنه ◙ أرسل إليهم عليًّا فودى قتلاهم.
          وقوله ◙: ((إذا اجتهد الحاكم فأخطأ فله أجر)) ولا يجوز أن يؤجر إلا على ما هو بفعله مطيع، فإذا كان مطيعاً لما صدر عنه من نفس أو مال فلا ضمان عليه، وهذا اختيار إسماعيل بن إسحاق.
          وحجة من أوجب الضمان والدية: الإجماع على أن الأموال مضمونة بالخطأ كما هي بالعمد، ولا تسقط الدية في ذلك من أجل أنها لم يذكر في الحديث وجوبها كما لم تسقط في الباقين عن حمزة حين جب أسنمتهما وبقر خواصرهما، وإن كان لم يذكر في ذلك الحديث.
          وروي عن عثمان أنه جعل عقل المرأة التي أمر برجمها على عاقلته.
          وليس في قوله ◙: ((إذا اجتهد الحاكم فأخطأ)) دليل على إسقاط الضمان في ذلك، وإنما فيه سقوط الإثم عن المجتهد وأنه مأجور إن لم يتعمد الخطأ، ولا يفهم من الحديث زوال الضمان.