مجمع البحرين وجواهر الحبرين

باب: هل يقضي الحاكم أو يفتى وهو غضبان؟

          ░13▒ باب هل يقضي الحاكم أو يفتي وهو غضبان
          فيه حديث أبي بكرة: ((لا يقضين حكم بين اثنين وهو غضبان)).
          وحديث أبي مسعود عقبة بن عمرو: ((أيها الناس، إن منكم منفرين)) سلف في الصلاة.
          وموضع الحاجة قوله: (فما رأيت رسول الله صلعم قط أشد غضباً).
          وحديث يونس قال محمد: أخبرني سالم أن ابن عمر أخبره أنه طلق امرأته وهي حائض. الحديث تقدم في الطلاق. ومحمد هو ابن شهاب الزهري.
          وفيه: فتغيظ رسول الله.
          حديث أبي بكرة أصل في أن القاضي لا يقضي وهو غضبان، ولا معه ضجر، ونعاس، ولا هم، ولا جوع، ولا عطش، ولا حقن، ولا وهو شبعان أكثر من الحاجة.
          قال المهلب: وهذا ندب منه خوف التجاوز، أي: لأنه لا يتأتى له في الغالب استقصاء الواجب في القضية؛ لأنها تغير الطباع وتضر بالعقل وهو مكروه، روي ذلك عن عمر وعلي وشريح وعمر بن عبد العزيز، وهو قول مالك والكوفيين والشافعي.
          وأما قضاؤه ◙ وهو غضبان فإنما فعل ذلك لقيام العصمة به حيث لا يخشى منه التجاوز والميل في حكمه بخلاف غيره من البشر، ثم غضبه في الله تعالى لا لنفسه.
          وكان شريح إذا غضب أو جاع نام، وكان الشعبي يأكل عند طلوع الشمس، فقيل له فقال: آخذ حلمي قبل أن أخرج إلى القضاء.
          قال الشعبي: وأي حال جاءت عليه مما يعلم أنها تغير عقله أو فهمه امتنع من القضاء فيها.
          وقولي: بعد أن جلس، احترزت به عما إذا أصابه ضجر بعد جلوسه.
          وفيه خلاف عند المالكية.
          واختلف، هل يحكم متكئا؟ وقال الداودي: هذا إذا سبق الغضب، وأما إذا صنع الخصمان ما يغضبه ولم يستحكم فيه الغضب حكم، فإن استحكم فلا؛ لأن الشيطان أمكن ما يكون عند الغضب، ولهذا أمر الغضبان بالاستعاذة وتغيير الحال.
          قوله: (فليتجوز) وفي رواية: ((فليوجز)) أي: فليقتصر، وحديث ابن عمر في إطلاقه الحائض ظاهر في تحريم إيقاعه في الحيض، وهو إجماع واختلف في نفوذه، وفقهاء الأمصار عليه وشذ من خالف.
          قوله: (فإن بدا له أن يطلقها فليطلقها) أخذ به الشافعي على إباحة الجمع بين الثلاث؛ لأنه عام في الواحدة والأكثر.
          وأجاب عنه القاضي إسماعيل: أن الشارع لم ينكر على ابن عمر الطلاق وإنما أنكر موضعه.
          قال: ولا أحسبه أفقه من عمر وابنه وقد قال: من فعله فقد عصا ربه.