مجمع البحرين وجواهر الحبرين

باب: الأمراء من قريش

          ░2▒ باب الأمراء من قريش
          فيه حديث أبي اليمان، أنا شعيب، عن الزهري، قال: كان محمد بن جبير بن مطعم يحدثه أنه بلغ معاوية وهو عنده الحديث.. تابعه نعيم إلى آخره.
          وحديث عاصم بن محمد هو ابن زيد بن عبد الله بن عمر بن الخطاب قال: سمعت أبي يقول: قال ابن عمر: قال رسول الله صلعم: ((لا يزال)) الحديث.
          والحديث الأول سلف في المناقب، ومتابعة نعيم ذكرها ابن المبارك، وقال الإسماعيلي في حديث ابن عمر: لم أجد في كتابي عن رسول الله ولم يكن فوقه.
          وهذا الحديث يرد قول النظام وضرار ومن وافقهما من الخوارج أن الإمام ليس من شرطه أن يكون قرشيًّا.
          قالوا: وإنما يستحق الإمامة من كان قائماً بالكتاب والسنة من أفناء الناس من العجم وغيرهم، فإذا عصى الله وأردنا خلعه كانت شوكته علينا أهون.
          قال أبو بكر: وهذا قول ساقط لم يعرج المسلمون عليه، وقد ثبت عن رسول الله أن الخلافة في قريش، وعمل به المسلمون قرناً بعد قرن فلا معنى لقولهم.
          وقد صح عن رسول الله أنه أوصى بالأنصار، وقال: ((من ولي منكم من هذا الأمر شيئاً فليتجاوز عن مسيئهم)).
          فلو كان الأمر إليهم لما أوصى بهم، ومما يشهد لصحة هذه الأحاديث احتجاج أبي بكر وعمر بها على رءوس الأنصار في السقيفة، وما كان من إذعان الأنصار عند سماعها، ورجعوا بعد أن نصبوا الحرب، ولولا علمهم بصحتها لم يلبثوا أن يقدحوا فيها ويتعاطوا ردها، ولا كانت قريش بأسرها تقر كذباً يدعى عليها.
          ومما يدل على كون الإمام قرشيًّا اتفاق الصدر الأول وبعده من الأعصار على اعتبار ذلك، وقد سلف في باب: الرجم للحبلى شيء من هذا المعنى، وادعى بعض المتكلمين: أنه قد يجوز أن تكون الخلافة في سائر قبائل العرب فأبى الجماعة.
          قال المهلب: وأما حديث ابن عمرو أنه سيكون ملك من قحطان. فيحتمل أن يكون الملك فيه غير خليفة يتغلب على الناس من غير رضاً به.
          وإنما أنكر معاوية ذلك؛ لئلا يظن أن الخلافة تجوز في غير قريش، ولو كان عند أحد علم من ذلك من رسول الله لأخبر به معاوية حين خطب بإنكار ذلك عليهم.
          وقد روي في الحديث ما يدل أن ذلك إنما يكون عند ظهور أشراط الساعة، وتغيير الدين.
          روى أبو هريرة عن رسول الله: ((لا تقوم الساعة حتى يخرج رجل من قحطان يسوق الناس بعصاه))، وهو دال على أن ذلك من أشراطها ومما يجوز؛ ولذلك ترجم (خ) بهذا الحديث في الفتن في باب: تغيير الزمان كما سلف، وقد يكون إنكاره ما يقوي حديث عبد الله بن عمرو: ((ما أقاموا الدين)) فربما كان فيهم من لا يقره فيملك القحطاني.
          والوفد جمع وافد كشارب وشرب، وصاحب وصحب يقال: وفد فلان على الأمير؛ إذا ورد رسولاً.
          قوله: (ما بقي منهم اثنان) يعني: أن الأمر كله لا يخرج منهم، وإن غلب على بعض المواضع قد خرجت الخوارج وغيرهم.
          فرع
          اجتمع قرشيان جمعا شرط الإمامة نظر أقربهما من رسول الله، فإن استويا فأشبههما. قاله ابن التين / ، قال: واختلف في الإمامة هل هي فرض أو سنة؟ واحتج الأول بأن الفروض تقوم بها، والثاني أنها قد تعطلت يوم موت رسول الله، وعمر وعثمان. وأجاب بأن ذلك للضرورة.
          قوله: (ولا يؤثر عن رسول الله) أي: يذكر عنه، يقال: أثرت الحديث أثرة إذا ذكرته عن غيرك، ومنه: حديث مأثور، أي: ينقله خلف عن سلف.
          قوله: (كبه الله على وجهه) أي: صرعه فأكب هو على وجهه، وهذا الفعل من النوادر؛ لأن ثلاثية متعد ورباعية لازم، تقول: كببته فأكب هو على وجهه، ويقال: كب الله عدو المسلمين، ولا يقال: أكب.
          ووقع هذا في رواية أبي الحسن: ((أكبه)) رباعيًّا، والذي في القرآن كما سلف قال تعالى: {فَكُبَّتْ وُجُوهُهُمْ فِي النَّارِ} [النمل:90].