مجمع البحرين وجواهر الحبرين

باب يستحب للكاتب أن يكون أمينًا عاقلًا

          ░37▒ باب ما يستحب للكاتب أن يكون أميناً عاقلاً
          فيه حديث زيد بن ثابت السالف في التفسير.
          قال المهلب: هذا الحديث يدل أن العقل أصل الخلال المحمودة كالأمانة والكفاية في عظيم الأمور؛ لأنه لم يصف زيداً بأكثر من العقل وجعله سبباً لائتمانه ورفع التهمة عنه بقول الصديق: (إنك شاب عاقل لا نتهمك).
          وفيه: دليل على اتخاذ للكاتب السلطان والحاكم وأنه ينبغي أن يكون الكاتب عاقلاً فطناً مقبول الشهادة، هذا قول كافة الفقهاء.
          وقال الشافعي: ينبغي لكاتب القاضي أن يكون عاقلاً لئلا يخدع ويحرص على أن يكون فقيهاً لئلا يؤتى من جهالة، ويكون بعيداً من الطمع.
          وفيه: أن من سبقت له معرفة بالخدمة فإنه أولى بالولاية وأحق بها ممن لا سابقة له بذلك ولا معرفة.
          وفيه: جواز مراجعة الكاتب للسلطان في الرأي ومشاركته له فيه.
          فإن قال رافضي: كيف جاز للصديق أن يجمع القرآن ولم يجمعه الشارع؟.
          أجاب ابن الطيب: بأنه يجوز أن يفعل الفاعل ما لم يفعله الشارع إذا كان فيه مصلحة في وقته واحتياط للدين، وليس في أدلة الكتاب والسنة ما يدل على فساد جمعه بين اللوحين وتحصينه، وجمع همهم على تأصيله، وتسهيل الانتساخ منه والرجوع إليه، والغنى به عن تطلب القرآن من الرقاع والعسب وغير ذلك مما لا يؤمن عليه الضياع، فوجب إضافة إلى الصديق وأنه من أعظم فضائله وأشرف مناقبه، حين سبق إلى ما لم يسبق إليه أحد من الأمة، وبأن اجتهاده في النصح لله ولرسوله ولكتابه ودينه وجميع المؤمنين، وأنه في ذلك متبع لله ولرسوله؛ لإخباره تعالى في كتابه أن القرآن كان مكتوباً في الصحف الأولى، وأخبر عن تلاوته رسوله في الصحف بقوله: {رَسُولٌ مِّنَ اللهِ يَتْلُو صُحُفًا مُّطَهَّرَةً. فِيهَا كُتُبٌ قَيِّمَةٌ} [البينة:2-3] فلم يكن جمع الصديق مخالفاً لله ولرسوله؛ لأنه لم يجمع ما لم يكن مجموعاً، ولم يكتب ما لم يكن مكتوباً، وقد أمرهم الشارع بكتابته، فقال: ((لا تكتبوا عني شيئاً غير القرآن)) فألف المكتوب وصانه وأحرزه، وجمعه بين لوحيه، ولم يغير منه شيئاً، ولا قدم منه مؤخراً، ولا أخر منه مقدماً، ولا وضع حرفاً ولا آية في غير موضعها(1).
          ودليل آخر: أن الله ضمن لرسوله ولسائر الخلق جمع القرآن وحفظه، فقال تعالى: {إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ} [الحجر:9] وقال: {إِنَّ عَلَيْنَا جَمْعَهُ وَقُرْآنَهُ} [القيامة:17] وقال: {لَا يَأْتِيهِ الْبَاطِلُ مِن بَيْنِ يَدَيْهِ وَلَا مِنْ خَلْفِهِ} [فصلت:42]، فنفى عنه / إبطال الزائغين وإلباس الملحدين، ثم أمر رسوله والأمة بحفظه والعمل به، فوجب أن يكون كل أمر عاد بتحصينه وأدى إلى حفظه واجباً على كافة الأمة فعله، فإذا قام به البعض فقد أحسن، وناب عن باقي الأمة.
          وقد روى عبد خير عن علي أنه قال: يرحم الله أبا بكر هو أول من جمع القرآن بين لوحين وهذا تعظيم لشأنه ومدح له، وعلي أعلم من الرافضة بصواب هذا الفعل فيجب ترك قولهم لقوله.
          وقد سبق في باب جمع القرآن من كتاب فضائل القرآن بقية الكلام في معاني هذا الحديث.
          وفيه من الفوائد: جواز دخول أهل الفضل والعلم على أهل الفضل والعلم من الأمراء والحرص على جمع القرآن وضبطه بالكتاب وفي إثباته إثبات العلم، ومراجعة العلماء في ذلك خيفة أن ينقطع العلم بموت العلماء، وبذل النصيحة لله ولرسوله ولأئمة المسلمين، والرجوع [إلى] الحق إذا تبين.
          واختيار الأئمة لمن يقدمونه في الأمور ممن اجتمع فيه العلم والفقه والضبط.
          وأن المصالح العامة ينبغي للإمام أن ينظر فيها ويصونها عنده ولا يهملها كما فعل الصديق والفاروق فيما جمعه زيد من القرآن.
          قوله: (قال أبو بكر: هو والله خير، فلم يزل يحث مراجعتي) كذا هنا، وقال في جمع القرآن: فلم يزل أبو بكر يراجعني.


[1] في هامش المخطوط: ((أقول: ويحتمل وجها آخر وذلك أن النبي ◙ ما دام حياً كان يتوقع نزول شيء من القرآن يوماً فيوماً ووقتا فوقتا علم بجمعه ◙ لذلك فلما توفي ◙ لم يبق يتوقع ذلك فجمعه الصديق.
وأيضاً خشي أن تقصر الهمم فيما بعد من حفظه فجمعه في كتاب وأيضاً أول ما أتى به جبريل ◙ أتا بنمط فيه مكتوب سورة اقرأ فقال اقرأ فناوله النمط فقال ما أنا بقارئ هكذا ذكره أهل السير وإلا جوابه لقوله اقرأ ما أنا بقارئ لا يتجه ولو لم يكن أتاه بنمط لكان جوابه ما الذي أقرأ لا ما أنا بقارئ فتأمله، فإن هذه الأ[و]جه الثلاثة حسنة، وجواب رابع وهو أنه كان مكتوباً في اللحاف والعسب فالكتابة في الصحيفة ليس أمراً أخذ به الصديق وإنما جمعه في صحيفة واحدة... واحد)).