مجمع البحرين وجواهر الحبرين

باب الشهادة تكون عند الحاكم في ولايته القضاء

          ░21▒ باب الشهادة تكون عند الحاكم في ولايته القضاء أو قبل ذلك للخصم
          وقال شريح القاضي، وسأله إنسان الشهادة فقال: ائت الأمير حتى أشهد لك. وقال عكرمة.. إلى آخره.
          ثم ساق حديث أبي محمد، واسمه: نافع / مولى أبي قتادة عن مولاه أبي قتادة في قصة الدرع الذي اشترى به مخرفاً.
          ثم ساق حديث صفية بعد من حديث الزهري عن علي بن حسين أنه ◙، أتته صفية.. الحديث. ثم قال: رواه شعبة.. إلى آخره.
          معنى الترجمة: أن الشهادة التي تكون عند القاضي في ولايته القضاء أو قبل ذلك لا يجوز له أن يقضي بها وحده، وله أن يشهد بها عند غيره من الحكام، كما قال مالك، ولذلك ذكر قول شريح، وهو قول عمر وابن عوف أن شهادته كشهادة رجل من المسلمين، واستشهد على ذلك بقول عمر: إنه كان عنده شهادة في آية الرجم أنها من القرآن، فلم يجز له أن يلحقها بنص المصحف المقطوع بصحته لشهادته وحده، وقد أفصح عمر بالعلة في ذلك، فقال: لولا.. إلى آخره، وعرفك أن ذلك من باب قطع الذرائع؛ لئلا يجد حكام السوء السبيل إلى أن يدعوا العلم لمن أثبتوا(1) له الحكم أنه على حق.
          وأما ما ذكر من إقرار ماعز عند رسول الله وحكمه عليه بالرجم دون أن يشهد لمن حضره، ولذلك أعطاه ◙ السلب لأبي قتادة بإقرار الرجل الذي كان عنده وحده مع ما انضاف إلى ذلك من علمه ◙، ألا ترى قوله في الحديث: فعلم رسول الله يعني: علم أن أبا قتادة هو القاتل، فهو حجة في قضاء القاضي بعلمه، وهو خلاف ما ذكره (خ) في أول الباب عن شريح، ومن بعده. أورد (خ) في الباب اختلاف أهل العلم، وحجة الفريقين من الحديث بإقرار ماعز.
          وحديث أبي قتادة حجة لأهل العراق في القضاء بعلمه وشهادته.
          وحديث صفية، وعمر في آية الرجم حجة لأهل الحجاز أن لا خوف التهمة؛ لأنه ◙ كان أبعد الخلق منها، ولم يقنع بذلك حتى قال: ((إنها صفية)) فغيره ممن ليس بمعصوم أولى لخوف التهمة، وإنما فعل ذلك ◙ ليسن لأمته البعد في مواضع التهم.
          وسلف اختلاف العلماء في ذلك.
          قوله: (أُصَيبغ) يصفه بالضعف والعجز والهوان، شبهه بالأصيبغ وهو نوع من الطير ضعيف، وقيل: شبهه بالصبغاء وهو نبت معروف كالثمام، ويروى بالضاد المعجمة والعين المهملة تصغير ضبع على غير قياس تحقيراً له وقد سلف في موضعه.
          قوله: (فاشتريت منه خرافا) أي: ذا خراف، يقال: خرفت النخلة أخرفها خرفاً وخرافاً وخرافةً؛ أي: أجتنيها، أو مخرفاً سماه بالمصدر الذي هو خراف، كما قالوا: خصم وزور وعدل، والمخرف بكسر الميم ما يجنى به التمر، وبالفتح يقع على النخل والرطب.
          ومعنى: (تأثلته): اعتقدته وجمعته وتأصلته، وأثلة الشيء أصله، يقال: مال مؤثل ومجد مؤثل أي: مجموع ذو أصل، ويقال: من ذا الذي يتحنث أصلينا، أي: يطعن في نسبنا.
          وابن مسافر السالف: اسمه عبد الرحمن بن خلف بن مسافر الفهمي، مولى الليث بن سعد من فوق. وابن أبي عتيق محمد بن عبد الله بن محمد بن عبد الرحمن بن أبي بكر الصديق، انفرد بهما (خ) عن (م).
          وترجمة (خ) فيه دليل على أن الحاكم إنما يشهد عند غيره بما تقدم عنده من شهادة في ولايته أو قبلها، وهو قول مالك وأكثر أصحابه، وقال بعض أصحابنا: يحكم بما علمه فيما أقر به أحد الخصمين عنده في مجلسه.
          وقول عمر: (لولا أن يقول الناس..) إلى آخره يريد والله أعلم ثبوت الحكم بذلك عنده، وإنه كان مما يتلى.
          وفي حديث أبي قتادة من الفوائد أن السلب لا يستحق بمجرد الدعوى، والتثبيت في الشهادة وترك العجلة في أدائها، والقضاء في السلب بواحد دون يمين، ويحتمل أن يكون بحضور الجيش وعدم المنازع فيه ولاعتراف من بيده السلب أنه القاتل، فقام ذلك مقام الشهادة.
          قوله: (فله سلبه) عندنا أن القاتل يستحقه وإن / لم يأذن الإمام في ذلك، وعند المالكية أن النداء به قبل القتال مكروه، وبعده جائز لما يدخله من مشاركته.
          والسلب عندنا لا يخمس على المشهور، وعند المالكية: أنه من الخمس، وأنه لا يكون للقاتل إلا بإذن الإمام، وضابط السلب محل الخوض فيه الفروع.
          ومعنى قوله: (يقاتل عن الله ورسوله) أي: يقصد أن يكون كلمة الله هي العليا لا للسلب.
          وعلي بن حسين هو ابن علي بن أبي طالب: مات بالمدينة سنة أربع وتسعين، ودفن بالبقيع.
          وفي حديث صفية: زيارة المرأة زوجها المعتكف، وجواز حديث المعتكف مع امرأته وخروجه معها ليشيعها، وجواز السلام على المعتكف، وإشفاقه ◙ على أمته.
          قال الخطابي: وقد بلغني عن الشافعي أنه قال في معنى هذا الحديث: أشفق عليهما من الكفر لو ظنا به ظن التهمة، فبادر إلى إعلامهما دفعاً لوسواس الشيطان، وقال بعضهم: قولهما: سبحان الله يبعده.


[1] لعلها في المخطوط: ((أحبوا)) والصواب ما أثبتناه.