الأبواب والتراجم لصحيح البخاري

باب كم غزا النبي صلعم؟

          ░89▒ (باب: كم غزا النَّبيُّ صلعم؟)
          ختم البخاريُّ كتاب المغازي بنحو ما ابتدأه به، وقد تقدَّم الكلام في أوَّل المغازي على حديث زيد بن أرقم، وزاد هاهنا: عن أبي إسحاق حديث البراء، وكأنَّ أبا إسحاق كان حريصًا على معرفة عدد غزوات النَّبيِّ صلعم وسأل زيد بن أرقم والبراء وغيرهما. انتهى مِنَ «الفتح».
          وقالَ العَينيُّ: واختُلف في عدد غزواته صلعم، فعن مكحول أنَّ رسول الله صلعم غزا ثمان عشرة غزوة وقاتل في ثمان (1) غزوات أوَّلُهنَّ بدرٌ ثمَّ أُحُد ثمَّ الأحزاب ثمَّ قُرَيظة ثمَّ بئر معونة ثمَّ غزوة بني المصْطَلِق ثمَّ غزوة خيبر ثمَّ غزوة مكَّة ثمَّ حُنين والطَّائف، قال ابن كَثير: قوله: إنَّ بئر معونة بعد بني قُريظة فيه نظرٌ، والصَّحيح أنَّهما(2) بعد أُحُد. انتهى مِنَ العينيِّ.
          وفي «الفتح»: قال موسى بن عقبة: قاتل رسول الله صلعم بنفسه في ثمان: بدر ثمَّ أُحُد ثمَّ الأحزاب ثمَّ المصْطَلِق ثمَّ خيبر ثمَّ مكَّة ثمَّ حُنين ثمَّ الطَّائف، قال الحافظ: وأهمل غزوة قُريظة لأنَّه ضمَّها إلى الأحزاب لكونها كانت في إثرها، وأفردها غيرُه لوقوعها منفردة بعد هزيمة الأحزاب، وكذا وقع لغيره عدُّ الطَّائف وحُنين واحدةً لتقاربهما. انتهى.
          وفي «هامش اللَّامع»: قالَ القَسْطَلَّانيُّ في «المواهب»: كان عدد مغازيه ╕ الَّتي خرج فيها بنفسه سبعًا وعشرين، كما قاله أئمَّة المغازي موسى بن عُقبة وابن إسحاق وأبو معشر والواقديُّ وابن سعد، وجزم ابن الجوزيِّ والدِّمْياطيُّ والعراقيُّ وغيرهم وقال ابن إسحاق في رواية البكائيِّ عنه: ستًّا وعشرين، وجزم به في ديباجة «الاستيعاب» قائلًا: وهذا أكثرُ ما قيل، وقيل: خمسًا وعشرين، ولعبد الرَّزَّاق بسند صحيح عن ابن المسيِّب: أربعًا وعشرين، وعند أبي يعلى بإسناد صحيح / عن جابر أنَّها إحدى وعشرون، وروى الشَّيخان عن زيد بن أرقم أنها تسع عشرة، وفي «خلاصة السِّير» للمحبِّ الطَّبريِّ: جملة المشهور منها اثنتان وعشرون. انتهى مختصرًا بزيادة مِنَ الزُّرْقانيِّ.
          وقالَ النَّوويُّ: قد اختَلف أهل المغازي في عدد غزواته صلعم وسراياه، فذكر ابن سعد وغيره عددهنَّ مفصَّلاتٍ على ترتيبهنَّ، فبلغت سبعًا وعشرين غزاةً، وستًا وخمسين سريَّة، قالوا: قاتل في تسع مِنْ غزواته وهي: بدر، وأحد، والمُرَيْسِيع، والخندق، وقُرَيْظة، وخَيبر، والفتح، وحُنين، والطَّائف، هكذا عدُّوا الفتح فيها، وهذا على قول مَنْ يقول: فُتحت مكَّة عَنْوة، ولعلَّ بريدة أراد بقوله: قاتل في ثمان إسقاط غزاة الفتح، ويكون مذهبه أنَّها فُتحت صلحًا، كما قاله الشَّافعيُّ وموافقوه. انتهى.
          قال الحافظ بعد ذكر حديث الباب: وأخرج «مسلم» أيضًا مِنْ وجه آخر عن عبد الله بن بُريدة عن أبيه أنَّه غزا مع رسول الله صلعم تسع عشرة غزوةً، وقد تقدَّم في أوَّل المغازي توجيه ذلك وعدد الغزوات. انتهى.
          قلت: لم أجد في أوَّل المغازي ما أحاله الحافظ مِنَ التَّوجيه بين حديثي بريدة، نعم تكلَّم الحافظ هناك على حديث زيد بن أرقم، ومع ذلك ليس في روايتَي بريدة تعارُض بين عدد ستَّ عشرة وتسع عشرة، وذلك لأنَّ لفظ رواية مسلم بن عبد الله بن بريدة عن أبيه قال: ((غزا رسول الله صلعم تسع عشرة غزوة)) الحديث، لا كما نقل الحافظ بلفظ: ((أنَّه غزا مع رسول الله صلعم تسع عشر غزوة)) ولفظ الرِّواية الثَّانية عند مسلم عنه: ((أنَّه غزا مع رسول الله صلعم ستَّ عشرة غزوة)) كما في حديث الباب وعلى هذا لا تعارُض بين روايتيه، كما لا يخفى.
          فائدة: قال الحافظ في آخر حديث الباب حديث بريدة بن الحصيب: وهو أحد الأحاديث الأربعة الَّتي أخرجها مسلم عن شيوخ أخرج البخاريُّ تلك الأحاديث بعينها عن أولئك الشُّيوخ بواسطة، ووقع مِنْ هذا النَّمط للبخاريِّ أكثرُ مِنْ مئتي حديث وقد جرَّدتُها في جزء مفرد. انتهى.
          ثمَّ البراعة عند الحافظ كما تقدَّم في المقدِّمة هو ما قاله، وفي آخر المغازي: الوفاة النَّبويَّة وما يتعلَّق بها، وعند هذا العبد الضَّعيف في قوله: (قلت: كم غزا النَّبيُّ صلعم) الحديث فإنَّ الغزوة والحرب مِنْ مَظانِّ الموت، والإمام البخاريُّ عندي يذكِّر الرَّجل وقارئ كتابه في آخر كلِّ كتابٍ موتَه، كما تقدَّم في بدء الكتاب.
          وهذا آخر الجزء الرَّابع مِنَ الأبواب والتَّراجم لصحيح البخاريِّ، وقد بُدئ تبييض هذا الجزء في الرَّابع عشر مِنْ أوَّل الرَّبيعين سنة خمس وتسعين بعد ألف وثلاث مئة بالمدينة المنوَّرة_زادها الله تعظيمًا وتكريمًا_ بين منبر النَّبيِّ صلعم وقبره الأطهر روضة مِنْ رياض الجنَّة بيدَي الأعزَّين المكرَّمَين ختني المولي(3) الحافظ الحاجِّ محمَّد عاقل صدر المدرِّسين بمدرسة مظاهر علوم، وختني الآخر المولويِّ الحافظِ الحاجِّ محمَّد سلمان مِنْ أكابر المدرِّسين بالمدرسة المذكورة، وكانا يراجعان إلى وقت التَّبييض في المواضع المُشْكِلة والتَّراجم الصَّعبة، فجزاهما الله تعالى عنِّي وعن سائر النَّاظرين لهذا الجزء أحسنَ الجزاء، بارك الله في علومهما، وأذاقهما مِنْ شراب حبِّه، وكان مجيئهما مِنَ الهند إلى البقعة الطَّاهرة لأجل هذا العمل، وذلك أنَّ اشتغالهما في الهند بالتَّدريس وغيره كان حاجبًا عن تكميل هذا التَّبييض مسرعًا، ولذا تراخى تبييض الجزأين الأوليين(4)، فإنَّه كمل في عدَّة سنوات، ووقع فراغهما عن تبييض هذا الجزء بأقصر مدَّة، أعني زهاء ثلاثة أشهر في السَّابع والعشرين مِنْ أولى الجمادين مِنَ السَّنة المذكورة، وما ذلك إلَّا بفضل الله سبحانه وتعالى وببركة تلك البقعة الطَّاهرة الطَّيِّبة، فالحمد لله أوَّلًا وآخرًا، والصَّلاة والسَّلام على سيِّدنا وسيِّد المرسلين محمَّد وآله وصحبه أجمعين إلى يوم الدِّين، وأنا العبد الضَّعيف المفتقر إلى رحمة ربِّه العليا المدعوُّ بمحمَّد زكريِّا سابع والعشرين مِنْ أولى الجمادين سنة خمس وتسعين بعد ألف وثلاث مئة.
          تمَّ الجزء الرَّابع ويتلوه الجزء الخامس أوَّلُه كتاب التَّفسير. /


[1] هامش مِنَ الأصل: كذا في الأصل والمذكور بعده في التَّفصيل تسع فليحرر.
[2] في (المطبوع): ((أنها)).
[3] في (المطبوع): ((المولوي)).
[4] في (المطبوع): ((الأولين)).