الأبواب والتراجم لصحيح البخاري

سرية عبد الله بن حذافة السهمي وعلقمة بن مجزز المدلجي

          ░59▒ (باب: سَرِيَّة عبد الله بن حُذَافة السَّهميِّ...) إلى آخره
          قال الحافظ: كذا ترجم وأشار بأصل التَّرجمة إلى ما رواه أحمد وابن ماجه وصحَّحه ابن خُزيمة وابن حبَّان والحاكم مِنْ طريق عمر بن الحكم عن أبي سعيد الخُدْريِّ قال: ((بعثَ رسول الله صلعم عَلْقَمة بنَ مُجَزِّز على بعْث أنا فيهم، حتَّى انتهينا إلى رأس غَزَاتنا أو كنَّا ببعض الطَّريق أذن لطائفة مِنَ الجيش وأَمَّر عليهم عبد الله بن حُذَافة السَّهميَّ وكان مِنْ أصحاب بدر وكانت فيه دعابة))... الحديث.
          وذكر ابن سعد هذه القصَّة بنحو هذا السِّياق، وذكر أنَّ سببها أنَّه بَلَغَ النَّبيَّ صلعم أنَّ ناسًا مِنَ الحبشة تراءاهم (1) أهلُ جِدَّة فبعث إليهم عَلْقَمَة بن مُجَزِّز في ربيعٍ الآخر في سنة تسع في ثلاث مئة، وانتهى إلى جزيرة في البحر، فلمَّا خاض البحرَ إليهم هربوا، فلمَّا رجع تعجَّل بعض القوم إلى أهلهم، فأمَّر عبد الله بن حذافة على مَنْ تعجَّل.
          زاد القَسْطَلَّانيُّ: قال البرماويُّ: ولعلَّ هذا عذرٌ للبخاريِّ حيث جمع بينهما مع أنَّه في الحديث لم يُسَمِّ واحدًا منهما، وترجمة البخاريِّ لعلَّها تفسير للمُبْهم الَّذِي في الحديث. انتهى.
          وذكر ابن إسحاق أنَّ سبب هذه القصَّة أنَّ وقَّاص بن مُجزِّز كان قُتِل يوم ذي قَرَد فأراد علقمة بن مُجزِّز أن يأخذ بثأْرِه فأرسله رسول الله صلعم في هذه السَّريَّة، قلت: وهذا يُخالف ما ذكره ابنُ سعد إلَّا أن يُجْمع بأن يكون أمَرَ بالأمرين، وأرَّخَها ابن سعد في ربيع الآخر سنة تسع، فالله أعلم (2).
          وأمَّا قوله: (ويقال: إنَّها سَرِيَّة الأنصاريِّ) فأشار بذلك إلى احتمال تعَدُّد القصَّة وهو الَّذِي يظهر لي لاختلاف سياقهما واسم أميرهما والسَّببِ في أمره بدخولهم النَّار، ويحتمل الجمع بينهما بضرب مِنَ التأويل، ويُبْعِدُه وصف عبد الله بن حُذَافة السَّهْميِّ القُرشيِّ المهَاجريِّ بكونه أنْصَاريًّا، وقد تقدَّم بيانُ نسب عبد الله بن حُذَافة في كتاب العلم، ويحتمل الحمل على المعنى الأعمِّ، أي: أنَّه نصر رسول الله صلعم في الجُملة، وإلى التَّعَدُّد جَنَح ابن القيِّم، وأمَّا ابن الجوزيِّ فقال: (قوله: مِنَ الأنصار) وَهْمٌ مِنْ بعض الرُّواة وإنَّما هو سَهمِيٌّ، قلت: ويؤيِّده حديث ابن عبَّاسٍ عند أحمد في قوله تعالى: {يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُولِي الْأَمْرِ مِنْكُمْ} الآية [النِّساء:59] نزلت في عبد الله بن حُذَافة بن قَيْس بن عَدِيٍّ، بعَثَه رسولُ الله صلعم في سَرِيَّة وسيأْتِي في تفسير سورة النِّساء.
          وقد رواه شُعبة عن زُبَيد اليَامِيِّ عن سعد بن عبيدة، فقالَ: (رَجُلًا) ولم يقل (مِنَ الأنصار) ولم يُسَمِّه، أخرجه المصنِّف في «كتاب خبر الواحد»، وأمَّا علقمة بن مُجزِّز فهو بضمِّ أوَّله وجيم مفتوحة ومعجمتين [الأولى مكسورة ثقيلة وحُكي فتحها، والأوَّل أصوب، وقال عياض: وقع لأكثر الرُّواة بسكون المهملة وكسر الرَّاء المهملة، وعن القابسيِّ بجيمٍ ومعجمتين] وهو الصَّواب، وهو ولد القَائِف الَّذِي يأتي ذكره في النِّكاح في حديث عائشة: في قوله في زيد بن حارثة وابنه أسامة: (إنَّ بعضَ هذه الأقدام لَمِنْ بعض) فعلقَمَة صحابيٌّ ابن صحابيٍّ (3). انتهى.
          قلت: وسيأتي في التَّفسير عن ابن عبَّاسٍ أنَّ قوله تعالى: {أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُولِي الْأَمْرِ مِنْكُمْ} [النِّساء:59] نزلت في عبد الله بن حُذَافة إذْ بعَثَه النَّبيُّ / صلعم في سريَّة وسيأتي هناك قصَّة هذه السَّريَّة على ما نقله ابن سعد، وسياقه يغاير سِياق حَديث عليٍّ حديثِ الباب، قالَ العلَّامةُ القَسْطَلَّانيُّ: واختلاف السِّياقين يدلُّ على التَّعدُّد... إلى آخر ما قال.


[1] نظروهم ورأوهم، وتكتب أيضا تراياهم وتراآهم
[2] فتح الباري:8/59
[3] فتح الباري:8/59