الأبواب والتراجم لصحيح البخاري

باب غزوة بني المصطلق من خزاعة

          ░32▒ (باب: غزوة بَنِي المُصْطَلِق مِنْ خُزَاعَة...) إلى آخره
          قال الحافظ: هكذا وَقَع هاهنا، وذكر ما يتعلَّق بها، ثمَّ أورد حديث / أبي سعيد في العزل، ثمَّ قال بعد ذلك: (حدَّثني محمود) يعني ابن غيلان (حدَّثنا عبد الرَّزَّاق) فذكر حديث جابر في غزوة نجد، وفيه قصَّة الأعرابيِّ، وهذا محلُّه في غزوة ذات الرِّقاع، وقد وقع في رواية أبي ذرٍّ عن المُسْتَمْلي: <في غزوة ذات الرِّقاع> وهو أنسب، ثمَّ ذكر بعد هذه ترجمة وهي غزوة أنمار، وذكر فيه حديث جابر: (رأيت النَّبيَّ صلعم في غزوة أَنْمَار يصلِّي على راحلته)، وهذا الحديث قد تقدَّم في (باب: قصر الصَّلاة) وكان محلُّ هذا قبل غزوة بني المصْطَلِق، لأنَّه عقَّبَه بترجمة حديث الإفك، والإفك كان في غزوة بني المُصْطَلِق، فلا معنى لإدخال غزوة أنمار بينهما، بل غزوة أنمار إنَّما يشبه أن تكون هي غزوة محارب وبني ثعلبة لما تقدَّم مِنْ قول أبي عبيد: إنَّ الماء لبَنِي أَشْجَع وأَنْمَار وغيرهما مِنْ قيس، وَالَّذِي يظهر أنَّ التَّقديم والتَّأخير في ذلك مِنَ النُّسَّاخ، انتهى.
          قوله: (غزوة بني المصْطَلِق) أمَّا المصْطَلِق فهو لقب واسمه جُذَيْمَة بن سعد بن عمرو بن ربيعة بن حارثة، بطن مِنْ بني خُزاعة، وقد تقدَّم بيان نسب خزاعة في أوائل السِّيرة النَّبويَّة، وأمَّا المُرَيْسِيع فهو ماء لبني خُزاعة، بينه وبين الفَرْع مسيرة يوم، وقد روى الطَّبَرانيُّ مِنْ حديث سفيان بن وَبَرة قال: كنَّا مع النَّبيِّ صلعم في غزوة المُرَيْسِيع غزوة بني المُصْطَلِق.
          قوله: (قال ابن إسحاق: وذلك سنة ستٍّ) كذا هو في مغازي ابن إسحاق رواية يُونس بن بُكَير وغيره عنه، وقال: في شعبان، وبه جزم خليفة والطَّبريُّ، وروى البَيْهَقيُّ مِنْ طريق قتادة وعُروة وغيرهما أنَّها كانت في شعبان سنة خمس، [ وكذا ذكرها أبو معشر قبل الخندق، قوله: (وقال موسى بن عقبة: سنة أربع) كذا ذكره البخاريُّ، وكأنَّه سبق قلم أراد أن يكتب سنة خمس] فكتب سنة أربع، وَالَّذِي في مغازي موسى بن عُقْبة مِنْ عِدَّة طرق أخرجها الحاكم وأبو سعيد النَّيسابوريُّ والبَيْهقيُّ في «الدَّلائل» وغيرهم سنة خمس، ولفظه عن موسى بن عقبة عن ابن شهاب: ((ثمَّ قاتل رسول الله صلعم بني المُصْطَلِق وبنِي لِحْيَان في شعبان سنة خمس)) ويؤيِّده ما أخرجه البخاريُّ في الجهاد عن ابن عمر أنَّه غزا مع النَّبيِّ صلعم بني المُصْطَلِق في شعبان سنة أربع ولم يُؤْذَن له في القتال، لأنَّه إنَّما أُذِنَ له في الخندق، كما تقدَّم، وهي بعد شعبان سواء قلنا: إنَّها كانت سنة خمس أو سنة أربع، وقال الحاكم في «الإكليل»: وقول(1) عروة وغيره: إنَّها كانت في سنة خمس أشبهُ مِنْ قول ابن إسحاق.
          ثمَّ رجَّح الحافظ كونها سنة خمسٍ إذ قال: ويؤيِّده ما ثبت في حديث الإفك أنَّ سَعْد بن معاذ تَنَازع هو وسعد بن عُبادة في أصْحَاب الإفك، فلو كانَ المُرَيْسِيع في شعبان سنة ستٍّ مع كون الإفك كان فيها لكان ما وقع في «الصَّحيح» مِنْ ذكر سعد بن معاذ غلطًا، لأنَّ سعد بن معاذ مات أيَّام قُريظة، وكانت سنة خمس على الصَّحيح كما تقدَّم تقريره، وإن كانت كما قيل سنة أربع فهي أشدُّ، فيظهر أنَّ المُرَيْسِيع كانت سنة خمس في شعبان لتكون قد وقعت قبل الخندق، لأنَّ الخندق كانت في شوَّالٍ مِنْ سنة خمس أيضًا، فتكون بعدها، فيكون سعد بن معاذ موجودًا في المُرَيْسِيع، ورُمِيَ بعد ذلك بسهم في الخندق، ومات مِنْ جراحته في قُرَيظة، ويؤيِّده أيضًا أنَّ حديث الإفك كان سنة خمس، إذ الحديث فيه التَّصريح بأنَّ القصَّة وقعت بعد نزول الحجاب، والحجاب كان في ذي القَعدة سنة أربع عند جماعة، فيكون المُرَيْسِيع بعد ذلك، فيترجَّح أنَّها سنة خمس، أمَّا قول الواقديِّ: إنَّ الحجاب كان في ذي القَعدة سنة خمس فمردود، وقد(2) جزم خليفة وأبو عبيدة(3) وغير واحد بأنَّه كان سنة ثلاث، فحصَّلنا في الحجاب ثلاثة أقوال أشْهَرها سنة أربع، والله أعلم.
          وبسط الكلام على ذلك في «هامش اللَّامع» في (باب: خُرُوج النِّساء إلى البَزَار(4)) مِنْ كتاب الوضوء تحت قوله: (فأنزلَ الله الحِجَاب) وذكر فيه الكلام في تعيين آية الحجاب، فارجع إليه لو شئت.
          قوله: (كان حديث الإِفْك في غَزْوَة المُرَيْسِيع) وبهذا قال ابن إسحاق وغيرُ واحدٍ مِنْ أهل المغازي إنَّ قصَّة الإِفْك كانت في رُجُوعهم مِنْ غَزْوة المُرَيْسِيع. انتهى كلُّه مِنَ «الفتح». /


[1] في (المطبوع): ((قول)).
[2] في (المطبوع): ((قد)).
[3] في (المطبوع): ((عبيد)).
[4] في (المطبوع): ((البراز)).