الأبواب والتراجم لصحيح البخاري

باب كتاب النبي إلى كسرى وقيصر

          ░82▒ (باب: كتاب النَّبيِّ صلعم إلى كِسْرى وقَيصَر)
          مناسبة هذا الباب بما قبله مِنْ حيثُ إنَّه صلعم كتب إليهما إذ كان هو صلعم في تبوك كما سيأتي بيانه، وكسرى: هو ابن بَرويز بن هُرمز بن أنوشروان وهو كِسْرى الكبير، وقيل: إن الَّذِي بعث إليه النَّبيُّ صلعم هو أنوشروان، وفيه نظر، لِما سيأتي أنَّ النَّبيَّ صلعم أخبر أنَّ زُرْبَان ابنَه يقتُلُه، وَالَّذِي قتله ابنه هو كِسْرى بن بَرْوِيز بن هُرْمُز، وكسرى_بفتح الكاف وكسرها_: لقبُ كلِّ مَنْ تملَّك الفرس، ومعناه بالعربيَّة المظفَّريُّ، وأمَّا قيصر فهو هِرَقْل، وقد تقدَّم شأنه في أوَّل الكتاب (1).انتهى.
          وتقدَّم في «هامش اللَّامع» أنَّ هِرَقْل بكسر الهاء وفتح الرَّاء وسكون القاف على المشهور، ويقال أيضًا: بكسر الهاء والقاف وسكون الرَّاء، قالَ الكَرْمانيُّ: اسمُ علمٍ له فهو غير منصرف للعلميَّة والعجمة، وهو صاحب حروب الشَّام، ملك إحدى وثلاثين سنةً، وفي ملكه مات النَّبيُّ صلعم، ولقبه قيصر، وكذا كلُّ مَنْ ملك الرُّوم يقال له: قيصر، كما أنَّ مَلِكَ فارس يُسمَّى كسرى.
          قالَ العَينيُّ: وكان هرقل أوَّل مَنْ ضرب الدِّينار وأحدث البيعة.
          قال الحافظ: واستمرَّ هرقل على نصرانيَّة، وآثر مُلْكَه على الإيمان، وممَّا يقوِّيه أنَّه حارب المسلمين في غزوة مؤتة، وروى ابن حبَّان في «صحيحه» عن أنس: ((أنَّ النَّبيَّ صلعم كتب إليه أيضًا مِنْ تبوك يدعوه وأنَّه قارب الإجابة، ولم يجب فدلَّ ظاهره على استمراره في الكفر، ويحتمل أنَّه كان يضمر الإيمان ويفعل هذه المعاصي مراعاة لملكه وخوفًا مِنْ أن يقتله قومه)) إلَّا أنَّ في «مسند أحمد»: ((أنَّه كتب مِنْ تبوك إلى النَّبيِّ صلعم: إنِّي مسلم، فقال النَّبيُّ صلعم: كذب بل هو على نصرانيَّته)). انتهى مِنْ «هامش اللَّامع» مختصرًا.
          وقال الحافظ: / جزم ابن سعد بأنَّ بعْثَ عبد الله بن حُذَافة إلى كسرى كان في سنة سبع في زمن الهدنة، وهو عند الواقديِّ مِنْ حديث الشِّفَاء بنتِ عبد الله بلفظ: ((منْصَرَفَه مِنَ الحُدَيْبِيَة)) وصنيع البخاريِّ يقتضي أنَّه كان في سنة تسع فإنَّه ذكره بعد غزوة تبوك وذكر في آخر الباب حديث السَّائب أنَّه تلقَّى النَّبيَّ صلعم لمَّا رجع مِنْ تبوك إشارة إلى ما ذكرت، وقد ذكر أهل المغازي أنَّه صلعم لمَّا كان بتبوك كتب إلى قيصر وغيره، وهي غير المرَّة الَّتي كتب إليه مع دحية فإنَّها كانت في زمن الهدنة كما صرَّح به في الخبر، وذلك سنة سبع، ثمَّ ذكر الحافظ مِنْ رواية الطَّبرانيِّ أسماء الملوك الَّذِينَ كتب إليهم النَّبيُّ صلعم وأسماء مَنْ بعث إليهم مِنَ الصَّحابة رضي الله عنهم أجمعين.


[1] فتح الباري:8/127