الأبواب والتراجم لصحيح البخاري

باب غزوة الخندق

          ░29▒ (باب: غَزْوَة الخَنْدَق وَهِيَ الأَحْزَاب...) إلى آخره
          يعني أنَّ لها اسمين، وهو كما قال، والأحزاب: جمع حزب، أي: طائفة، فأمَّا تسميتها الخندق فلأجل الخندق الَّذِي حُفر حول المدينة بأمر النَّبيِّ صلعم، وكان الَّذِي أشار بذلك سلمان فيما ذكره أصحاب «المغازي» منهم أبو معشر، فأمر النَّبيُّ صلعم بحفر الخندق حول المدينة وعمل فيه بنفسه ترغيبًا للمسلمين، فسارعوا إلى عمله حتَّى فرغوا منه، وجاء المشركون فحاصروهم، وأمَّا تسميتها الأحزاب فلاجتماع طوائف مِنَ المشركين على حرب المسلمين وهم قريش وغطفان واليهود ومَنْ تبعهم، وقد أنزل الله تعالى في هذه القصَّة صدر سورة الأحزاب.
          وذكر ابن إسحاق بأسانيده أنَّ عدَّتهم عشرة آلاف، قال: وكان المسلمون ثلاثة آلاف، وقيل: كان المشركون أربعة آلاف والمسلمون نحو الألف. انتهى مِنَ «الفتح».
          وفي «تاريخ الخميس» مِنْ «تهذيب ابن هشام» وخرج رسول الله صلعم في ثلاثة آلاف رجل يوم الاثنين لثمان ليال مضين مِنْ ذي القَعدة، حتَّى جعلوا ظهورهم إلى سَلع فضرب هناك عسكره والخندق بينهم وبين المشركين... إلى آخر ما بسط.
          وقال الحافظ: وذكر موسى بن عقبة أنَّ مدَّة الحصار كانت عشرين يومًا ولم يكن بينهم قتال إلَّا مُراماةً بالنَّبل والحجارة، وأصيب منها سعد بن معاذ بسهم فكان سبب موته، كما سيأتي، وذكر أهل المغازي سبب رحيلهم وأنَّ نعيم بن مسعود الأشجعيَّ ألقى بينهم الفتنة فاختلفوا، وذلك بأمر النَّبيِّ صلعم له بذلك، ثمَّ أرسل الله عليهم الرِّيح فتفرَّقوا، وكفى الله المؤمنين القتال.
          قوله: (قال موسى بن عقبة: كانت في شوَّالٍ سنة أربع) وتابع موسى على ذلك مالك، وأخرجه أحمد عن موسى بن داود عنه، وقال بن إسحاق: كانت في شوَّالٍ سنة خمس وبذلك جزم غيره مِنْ أهل المغازي، ومال المصنِّف إلى قول موسى بن عقبة، وقوَّاه بما أخرجه أوَّل أحاديث الباب مِنْ قول ابن عمر: إنَّه عرض يوم أحد وهو ابن أربع عشرة، ويوم الخندق وهو ابن خمس عشرة، فيكون بينهما سنة واحدة، وأُحُد كانت سنة ثلاث فيكون الخندق سنة أربع، ولا حجَّة فيه إذا ثبت أنَّها كانت سنة خمس لاحتمال أن يكون ابن عمر في أُحُد كان أوَّل(1) ما طعن في الرَّابعة عشر، وكان في الأحزاب قد استكمل الخمس عشرة، وبهذا أجاب البيهقيُّ، ويؤيِّد قولَ ابن إسحاق أنَّ أبا سفيان قال للمسلمين لمَّا رجع مِنْ أُحُد: موعدكم العام المقبل ببدر فخرج النَّبيُّ صلعم مِنَ السَّنة المقبلة إلى بدر فتأخَّر مجيء أبي سفيان تلك السَّنة للجدب الَّذِي كان حينئذ / وقال لقومه: إنَّما يصلح الغزو في سنة الخصب، فرجعوا بعد أن وصلوا إلى عُسْفَان أو دونها، ذكر ذلك ابن إسحاق وغيره مِنْ أهل المغازي، وقد بيَّن البَيْهقيُّ سبب هذا الاختلاف، وهو أنَّ جماعة مِنَ السَّلف كانوا يعُدُّون التَّاريخ مِنَ المحرَّم الَّذِي وقع بعد الهجرة ويلغون الأشهر الَّتي قبل ذلك إلى ربيعٍ الأوَّل، وعلى ذلك جرى يعقوب بن سفيان في «تاريخه» فذكر أنَّ غزوة بدرٍ الكبرى كانت في السَّنة الأولى، وأنَّ غزوة أُحُد كانت في الثَّانية، وأنَّ الخندق كانت في الرَّابعة، وهذا عمل صحيح على ذلك البناء لكنَّه بناءٌ واهٍ مُخَالفٌ لِما عليه الجمهور مِنْ جعل التَّاريخ مِنَ المحرَّم سنة الهجرة، وعلى ذلك تكون بدر في الثَّانية وأُحُد في الثَّالثة والخندق في الخامسة، وهو المعتمد، ثمَّ ذكر المصنِّف في الباب سبعة عشر حديثًا. انتهى مِنَ «الفتح».


[1] في (المطبوع): ((كان في أول)).