الأبواب والتراجم لصحيح البخاري

باب غزوة العشيرة أو العسيرة

          ░1▒ <باب: غزوة العُشَيرة أو العسيرة>
          هكذا في «النُّسخ: الهنديَّة والعينيِّ والقَسْطَلَّانيِّ»، وفي نسخة «الفتح»: <باب: غزوة العُشَيرة> بدون زيادة قوله: (أو العسيرة) قالَ القَسْطَلَّانيُّ: (العُشَيرة) بضمِّ العين المهملة وفتح الشِّين المعجمة (أو العسيرة) بالشَّكِّ: هل هي بالمعجمة أو بالمهملة؟ وسقط لأبي ذرٍّ لفظ: [(باب)، وكذا قوله: (أو العسيرة) ولفظه بعد البسملة: <كتاب المغازي غزوة العشيرة> حسبُ، ولابن عساكر:] <باب: [في المغازي] غزوة العُشَيرة أو العسيرة>. انتهى.
          وبَسَطَ العلَّامةُ العينيُّ في ضبطهما، وقال أيضًا قالَ النَّوويُّ: جاء في / كتاب المغازي مِنْ «صحيح البخاريِّ»: العسيرة، أي: بضمِّ المهملة الأُولى وفتح الثَّانية، والعَسِير بفتح المهملة الأُولى وكسر الثَّانية بحذف الهاء، والمعروف فيها العُشيرة بإعجام الشين وبالهاء. انتهى.
          وفي «هامش الهنديَّة» عن «التَّوشيح»: (العُشَيرة) _بالمُعْجَمة_ وهو الصَّواب، وعليه اتَّفق أهل السِّير. انتهى.
          وفي «تاريخ الخميس» وفي البخاريِّ: (العُشَير أو العُسَيرة) بالتَّصغير، والأُولى بالمعجمة بلا هاء،
          والثَّانية: بالمهملة وبالهاء، وأمَّا غزوة العُسْرَة: بالمهملة بغير تصغير فهي غزوة تبوك. انتهى.
          قال الحافظ: ومكانها_ أي العُشيرة_ عند منزل الحجِّ بيَنْبُع، ليس بَيْنَها(1) وَبَيْنَ البَلد إلَّا الطَّريق، وخرج في خمسين ومئة، وقيل: مئتين، واستخلف فيها أبا سَلَمة بن عبد الأسد. انتهى.
          قوله: (وقال ابن إسحاق: أوَّلُ ما غزا النَّبيُّ صلعم الأبواءُ...) إلى آخره.
          كتب الشَّيخ قُدِّس سرُّه في «اللَّامع»: اختُلف في الأولى منها، ورأى البخاريُّ أنَّها العُشَيْرة كما أيَّده بقول قتادة، غير أنَّ مقالة ابن إسحاق كانت بمنزلة عنده، فأورده أيضًا، ومِنْ دأبه ألَّا يباليَ بما لم يعتدَّ به مِنَ المقالات عند الاختلاف. انتهى.
          وفي «هامشه»: ما أفاده الشَّيخ قُدِّس سرُّه هو الظَّاهر مِنْ تبويب البخاريِّ، فإنَّه بدأ كتاب المغازي بـ(باب: غزوة العُشَيرة)، لكنَّ المعروف عند أهل السِّير هو ما قاله ابن إسحاق، كما سيأتي.
          والأوجَهُ عند هذا العبد الضَّعيف المبتلى بالسَّيِّئات المعترف بالتَّقصيرات أنَّ غرض الإمام البخاريِّ مِنْ ذكر هذه الغزوة في مبدأ الكتاب ليس هو كونها أوَّل المغازي، بل المقصود ذكرُه هذه الغزوة خاصَّة لا الإشارة إلى كونها أوَّل المغازي، ولمَّا كان يُتوهَّم مِنْ قول زيد بن أرقم كونها أوَّل المغازي دفعها بقول ابن إسحاق، فرأي الإمام البخاريِّ في هذا هو ما قال ابن إسحاق كما هو المعروف عند أهل السِّير. ففي «المَجْمَع»: خرج ╧ غازيًا في ثاني عشر صفر غزوة الأَبْواء، ثمَّ قال: وغزا غزوة بُوَاط في ربيعٍ الأوَّل، ثمَّ غزا في جمادى الأولى غزوة العُشَيرة (2) انتهى مختصرًا.
          وهكذا ذكره(3) هذه الثَّلاثة بهذا التَّرتيب في «سيرة ابن هشام» وقال صاحب «المواهب»: أوَّل المغازي وَدَّان وهي الأَبواء، وهي أوَّل مغازيه صلعم كما ذكره ابن إسحاق وغيره. انتهى.
          وفي «الخير الجاري» كما في «هامش الهنديَّة»: اختلفوا في أوَّل الغزوات، قال محمَّد بن إسحاق وجماعة: أوَّلُها غزوة أَبْواء، ثمَّ بُوَاط، ثمَّ عُشَيْرة، والأوَّل أرجحُ عند الشَّيخ ابن حَجَر. انتهى.
          فعند هذا العبد الضَّعيف رأي الإمام البخاريِّ في هذه المسألة موافق لرأي الجمهور، وهو قول ابن إسحاق.
          لكن يَرِدُ عليه ذكر المصنِّف غزوة العُشَيرة في مبدأ المغازي، ووجهُه عندي_وخاطري أبو عذرِهِ_ أنَّ أصل غرض المصنِّف: بيان قصَّة بدر الكبرى، ولمَّا كان غزوة العُشيرة مقدِّمة لها ذكرها قبله كالتَّقدمة لها، وذلك أنَّ هذه العير الَّتي خرج إليها رسول الله صلعم في غزوة العُشَيرة كانت ذاهبة إلى الشَّام، ولمَّا رجعت هذه مِنَ الشَّام تعرَّض لها النَّبيُّ صلعم مَرَّة أخرى عند الرُّجوع، ووقعت غزوة بدر الكبرى لهذه العير.
          قالَ القَسْطَلَّانيُّ في «المواهب» في ذكر غزوة العُشَيرة: خرج إليها رسول الله صلعم في خمسين ومئة رَجل، وقيل: في مئتين يريد عير قريش الَّتي صدرت مِنْ مكَّة إلى الشَّام بالتِّجارة.
          وكان قريش جمع (4) جمع(5) أموالها في تلك العير، ويقال: إنَّ فيها خمسين ألفَ دينارٍ وألفَ بعيرٍ، فخرج إليها(6) ليَغْنَمَها فوَجَدَها قد مضت قبل ذلك بأيَّام، وهي العير(7) الَّتي خرج إليها حين رجعت مِنَ الشَّام، فكان بسببها وقعة بدر الكبرى، كما في «العيون» وغيرها. انتهى بزيادة مِنَ الزُّرقانيِّ.
          فتدبَّرْ وتشكَّرْ.
          وأمَّا ما وقع في رواية زيد بن أرقم عند البخاريِّ مِنْ أنَّ أوَّلها العُشيرة فهذا مخالف لِما هو المعروف بين أهل السِّير، ولذا أوَّلوا قوله بوجوه منها ما حكاه الحافظ عن ابن التِّين: أن يحمل قول زيد بن أرقم على أنَّ العُشَيرة أوَّل ما غزا هو_ أي زيد بن أرقم_ والتَّقدير فقلت: ما أوَّل غزوة غزاها_أي وأنت معه_؟ قال: العُشَيرة، وغير ذلك مِنَ الوجوهات، كما ذكر في «هامش اللَّامع».
          قوله: (أبواء) قالَ العلَّامةُ العينيُّ: قال الواقديُّ: هي أوَّل غزوة غزاها رسول الله صلعم بنفسه، ويقال لها: غزوة وَدَّان بفتح الواو وتشديد الدَّال، وقال ابن إسحاق: خرج / النَّبيُّ صلعم غازيًا في صفر على رأس اثني عشر شهرًا مِنْ مَقْدَمه المدينة، وقال ابن هشام: واستعمل على المدينة سعد بن عبادة، وقال ابن جرير: يريد قريشًا وبني ضَمْرة بن بكر بن عبد مناة(8) مِنْ كنانة، فوادعته فيها بنو ضَمْرة، ورجع رسول الله صلعم ولم يلقَ كيدًا، والأبواء_بفتح الهمزة وبالباء الموحَّدة السَّاكنة ممدودًا_: موضع معروف بين مكَّة والمدينة، وهي إلى المدينة أقربُ، كأنَّه سُمِّي بجمع بَوٍّ، وهو جِلدُ ولد الإبل المحشي بالتِّبن(9)، ووَدَّان_بفتح الواو وتشديد الدَّال المهملة على وزن فعلان_ قال البكريُّ: قرية مِنْ أمَّهات القرى، وقال ياقوت: بينها وبين أبواء ثمانيةُ أميال. انتهى.
          وفي «التَّلقيح» لابن الجوزيِّ بعد ذكر سَرِيَّة سعد بن أبي وقَّاص إلى الخَرَّار: ثمَّ غزوة الأَبْواء، يعترض لعِير قريش، وهي أوَّل غزوة غزاها رسول الله صلعم بنفسه، ثمَّ غزوة بُوَاط يعترض لعير قريش. انتهى.
          قالَ العلَّامةُ العينيُّ: بُوَاط_بضمِّ الباء الموحَّدة وتخفيف الواو_ قال الصَّغانيُّ: بُوَاط جَبَلٌ مِنْ جبال جُهينة، بين بُواط والمدينة ثلاثة بُرُد أو أكثر، وقال ابن إسحاق: غزا رسول الله [صلعم] في شهر ربيعٍ الأوَّل، يعني: مِنَ السَّنة الثَّانية مِنَ الهجرة يريد قريشًا، قال ابن هشام: واستعمل على المدينة السَّائب بن عُثمان بن مَظْعُون، وقال الواقديُّ: استَخلف عليها سعدَ بن معاذ، وكان رسول الله صلعم في مئتي راكب، وكان لواؤه مع سعد بن أبي وقَّاص، وكان قصده أن يتعرَّض لعير قريش، وكان فيه أُمَيَّة بن خَلَف ومئة رَجل وخمس مئة بعير، قال ابن إسحاق: حتَّى بلغ بُوَاط، ثمَّ رجع إلى المدينة، ولم يلقَ فيها كيدًا. انتهى.


[1] في (المطبوع): ((بينهما)).
[2] مجمع بحار الأنوار:5/258
[3] في (المطبوع): ((ذكر)).
[4] كذا في الأصل وما بين حاصرتين من ((شرح الزرقاني على المواهب)) و ((إنسان العيون))
[5] قوله: ((جمع)) غير مكرر في (المطبوع).
[6] في (المطبوع): ((إليهما)).
[7] في (المطبوع): ((العيرة)).
[8] في (المطبوع): ((مناف)).
[9] في (المطبوع): ((بالتين)).