الأبواب والتراجم لصحيح البخاري

باب غزوة الرجيع ورعل وذكوان وبئر معونة

          ░28▒ (باب: غَزْوة الرَّجِيع ورِعْل وذَكْوَان وبِئْرِ مَعُونَة...) إلى آخره
          قال الحافظ: سقط لفظ: (باب) لأبي ذرٍّ، والرَّجيع(1)_بفتح الرَّاء / وكسر الجيم_ هو في الأصل اسم للرَّوْث سُمِّي بذلك لاستحالته، والمراد هنا اسم موضع مِنْ بلاد هُذَيل كانت الوقعة بقُرب منه فسُمِّيت به.
          قوله: (رِعْل وذَكْوَان) أي: غزوة رِعْل وذَكْوَان، فأمَّا رِعْل: بكسر الرَّاء وسكون المهملة بطن مِنْ بني سُلَيم ينسبون إلى رِعْل بن عَوف بن مَالك بن امْرِئ القَيْس بن لَهِيْعَة بن سُلَيْم، وأمَّا ذَكْوَان فبطنٌ مِنْ بني سُليم أيضًا يُنسبون إلى ذَكْوَان بن ثَعْلبة بن بُهْثَة بن سُليم فنسبت الغزوة إليهما.
          قوله: (وبِئْر مَعُونَة) موضع في بلاد هُذَيل بين مكَّة وعُسْفَان، وهذه الوَقْعة تُعْرَف بسَرِيَّة القُرَّاء وكانت مع بني رِعْل وذَكْوَان المذكورين، وسَيُذْكَر ذلك في حديث أنس المذكور في الباب.
          قوله: (وحديث العُضَل والقَارة) وأمَّا(2) عُضَل فبطنٌ مِنْ بني الهَول مِنْ(3) خُزيمة بن مُدْرِكة بن إلياسَ بن مُضر يُنسبون إلى عُضَل بن الدِّيشِ بن مُحَكَّم، وأمَّا القَارة فبالقاف وتخفيف الرَّاء، بطن مِنَ الهَول أيضًا ينسبون إلى الدِّيْش المذكور، وقصَّة العُضَل والقَارَة كانت في غزوة الرَّجِيع لا في سريَّة بِئْرِ مَعُونَة، وقد فصلَ بينهما ابن إسحاق، فذكر غزوةَ الرَّجِيع في أواخر سنة ثلاث، وبئرَ مَعُونة في أوائل سنة أربع، ولم يقع ذكر عُضَل وقَارة عند المصنِّف صريحًا، وإنَّما وقع ذلك عند ابن إسحاق، فإنَّه بعد أن استوفى قصَّة أُحُد قال: ذكر يوم الرَّجِيع حدَّثني عاصم بن عمر بن قتادة قال: ((قَدِم على رسول الله صلعم بَعْد أُحُد رَهْط مِنْ عُضَل والقَارَة فقالوا: يا رسول الله إنَّ فينا إسلامًا، فابعث معنا نفرًا مِنْ أصحابك يفَقِّهُوننا فبعث معهم ستَّة مِنْ أصحابه)) فذكر القصَّة وعرَّف بها.
          بيان قول المصنِّف: قال ابن إسحاق: حدَّثنا عاصم بن عمر أنَّها بعد أحد، وأنَّ الضَّمير يعود على غزوة الرَّجِيع لا على غزوة بِئْر معونة. انتهى.
          قلت: وبهذا حصل شرح التَّرجمة، وكان فيه مِنَ الإغلاق ما لا يخفى، وإليه أشار الشَّيخ قُدِّس سرُّه في «اللَّامع» حيث كتب قوله: (باب: غزوة الرَّجِيع ورِعْل...) إلى آخره، وفيه خفايا وخبايا ورزايا كامنة في الزَّوايا، فليفحص حقيقة الأمر. انتهى.
          وفي «هامشه»: وهو كذلك فإنَّ الإمام البخاريَّ دمَجَ في هذا الباب بين السَّرِيَّتَين المختلفتين.
          قال الحافظ: سياق هذه التَّرجمة يوهم أنَّ غزوة الرَّجِيع وبِئْرِ مَعُونَة شيء واحد، وليس كذلك كما أوضحته، فغزوة الرَّجِيع كانت سريَّة عَاصِم وخُبَيْب في عشرة أنفُس وهي مع عُضَل والقَارة، وبئر مَعُونة كانت سريَّة القرَّاء السَّبعين، وهي مع رِعْل وذَكْوان، وكأنَّ المصنِّف أَدْرَجَها معها لقربها منها، وذكر الواقديُّ أنَّ خَبَر بِئْر مَعُونة وخبر أصحاب الرَّجِيع جاء إلى النَّبيِّ صلعم في ليلة واحدة.
          قال الحافظ: وقد فصل بينهما ابن إسحاق فذكر غزوة الرَّجِيع في أواخر سنة ثلاث، وبئر معُونة في أوائل سنة أربع. انتهى مختصرًا.
          قلت: وهذا الباب مِنَ المنتقدات، كما تقدَّم في مقدِّمة «اللَّامع» في الانتقاد الحادي والعشرين، وبسطت هناك شيئًا مِنَ الكلام على ذلك، وأجملت الكلام على السَّرِيَّتين أيضًا وسأذكر هاهنا أيضًا مختصرًا، ففي «المجمع»: في السَّنة الرَّابعة سريَّة بئر مَعُونة في صَفَر، وذلك أنَّ عامر بن مالك قال: لو بعثتَ معي رجالًا لرَجَوتُ أن يُجِيب قَوْمِي، فبعث سبعين مِنَ الأنصار شَبَبة يُسَمَّون القرَّاء، وكتب إلى عامر بن الطُّفَيل، فلمَّا بلغوا بئر مَعُونة استصرخ عليهم مِنْ سُلَيم عُصَيَّة(4) ورِعْلًا وذَكْوَان فقَتَلوهم، فقالوا: بلِّغوا عنا قومَنا أنَّا قد لقينا ربَّنا، فدعا عليهم أربعين صباحًا بالقنوت. انتهى.
          قالَ الزُّرْقانيُّ: وهم سبعون كما في «الصَّحيحين»، قال السُّهَيلي: هو الصَّحيح وقيل: أربعون كما في رواية ابن إسحاق وموسى بن عُقْبة.
          قال الحافظ: ويمكن الجمع بأنَّ الأربعون كانوا رؤساء وبقيَّة العدَّة أتباعًا، وقيل: ثلاثون، قال الحافظ: وهو وهمٌ. انتهى مختصرًا.
          وفي «المجْمَع» بعد ذكر سريَّة بِئْر مَعُونة: وفيها_أي في السَّنة الرَّابعة_ سريَّة الرَّجِيع، وذلك أنَّ قومًا مِنَ المشركين قالوا: إنَّ فينا إسلامًا فابعث نفرًا يفقِّهوننا، فبعث مَرْثدًا وعَاصِم بن ثَابت وخُبَيْبًا وغيرهم، فلمَّا بلغوا الرَّجِيع غَدَروا واسْتَصْرَخُوا عليهم هُزيْلًا، فقتلوا بعضهم وأسروا آخرين وباعُوهم مِنْ مشركي مكَّة ليقتلوهم بمقتوليهم في بدر. انتهى.
          وذكر صاحب «المواهب» بعث الرَّجِيع / قبل بئر مَعُونة وقال سريَّة عَاصِم بن ثابت في صفر على رأس ستَّة وثلاثين شهرًا مِنَ الهجرة، فتكون في السَّنة الرَّابعة إلى الرَّجيع، وقصَّة عُضَل والقَارة كانت في بعث الرَّجيع لا في سريَّة بئر مَعُونة كما يوهمه ترجمة البخاريِّ، وفصل بينهما ابن إسحاق، فذكر بعث الرَّجيع في أواخر سنة ثلاث وهذا قول ابن إسحاق، وما مر أنَّها في صفر قول ابن سعد، وبئر معونة في أوائل سنة أربع، وذكر الواقديُّ أنَّ خبر بئر معونة وخبر أصحاب الرَّجيع جاء(5) إلى النَّبيِّ صلعم في ليلة واحدة، والجائي بالخبر الوحيُ، وسياق ترجمة البخاريِّ يوهم أنَّ بعث الرَّجيع وبئر معونة شيء واحد وليس كذلك. انتهى مختصرًا.
          بزيادة مِنَ الزُّرقانيِّ، كذا في «هامش اللَّامع».


[1] في (المطبوع): ((والرجيح)).
[2] في (المطبوع): ((أما)).
[3] في (المطبوع): ((بن)).
[4] في (المطبوع): ((عصبة)).
[5] في (المطبوع): ((جاءا)).