التوضيح لشرح الجامع البخاري

باب وسم الإمام إبل الصدقة بيده

          ░69▒ بَابُ: وَسْمِ الإمَامِ إِبِلَ الصَّدَقَةِ بِيَدِهِ.
          1502- ذَكَرَ فِيهِ حَدِيثَ أَنَسٍ: (غَدَوْتُ إِلَى رَسُولِ اللهِ صلعم بِعَبْدِ اللهِ بْنِ أَبِي طَلْحَةَ لَيُحَنِّكَهُ، فَوَافَيْتُهُ فِي يَدِهِ الْمِيسَمُ يَسِمُ إِبِلَ الصَّدَقَةِ).
          الشَّرح: هذا الحديثُ سَلَفَ قطعةٌ منه في الجنائزِ لَمَّا تُوُفِّيَ أبو عُمير بنُ أبي طلحةَ في بابِ مَن لم يُظهِر حزنَه عند المصيبةِ [خ¦1301] وفي لفظٍ: ((فإذا هو في مِربَدِ الغنمِ يَسِمُها)) قال شُعبةُ: وأكثرُ علمِي أَنَّهُ قال: ((في آذانِها)) وأخرجَهُ مسلمٌ أيضًا في اللِّباسِ، وفي روايةٍ لأحمدَ وابنِ ماجَه: ((يَسِمُ غَنَمًا في آذانِها)).
          و(الْمِيسَمُ) مِفْعَلٌ بكسْرِ الميم وفتْحِ السِّينِ المهمَلَةِ الآلَةُ، والاسمُ منه الوَسْمُ لأَنَّ ياءَه واوٌ إِلَّا أَنَّهَا لَمَّا سُكِّنت وكُسِرَ ما قبلَها قُلبتْ ياءً، قال عِياضٌ: كذا ضبطْناه بالمهمَلَةِ وقال بعضُهم بالمعجَمَةِ أيضًا، وبعضُهم فرَّقَ فقال: بالمهملَةِ في الوجهِ وبالمعجمةِ في سائرِ الجسدِ، وفي «الجامع»: الْمِيسَمُ الحَديدةُ التي يُوسَمُ بها والجمعُ مَواسِم.
          وأمَّا أحكامُهُ وفوائدُه ففيه أَنَّهُ صلعم كان يُحنِّكُ أولادَ الأنصارِ بتمرةٍ يمضغُها فيجعلُها في حنكِ الطِّفلِ يمصُّها فيكونُ أوَّلَ ما يدخلُ جوفَه ريقُ رسولِ الله صلعم والتَّمرُ، والصَّبيُّ محنَّكٌ ومحنوك أيضًا. وعبدُ الله هذا حملتْ به أمُّهُ في ليلةِ موتِ أخيه كما سَلَفَ هناك.
          وفيه وَسْمُ إِبِلِ الصَّدقةِ وكذا الجِزيةِ وهو ما عَقَدَ له البابَ، وفَعَلَهُ الصَّحابةُ والتَّابعونَ أيضًا، والحكمةُ فيه تمييزُها مِن المِلْكِ ولِيرُدَّها مَن أَخَذَها ولا يلتقطَها ولِيَعْرِفَها متصدِّقُها فلا يشتريَها بعدُ لئلَّا يكونَ عائدًا في صدقتِه، والغنمُ ملحقٌ بها كما سَلَفَ وكذا البقرُ، ولا يَسِمُ في الوجه فملعونٌ فاعلُه كما أخرجه مسلمٌ مِن حديثِ جابرٍ، ويَسِمُ مِنَ البغالِ والحميرِ جاعَرَتَيْها ومِنَ الغنمِ آذانَها، ووَسَمَ عمرُ بنُ عبد العزيز الخيلَ التي حملَ عليها في سبيلِ الله في أفخاذِها، ورُوِيَ أَنَّهُ ◙ أمَرَ بِوَسْمِ الإبلِ في أفخاذِها، في إسنادِه نظرٌ، أمَّا وَسْمُ الآدميِّ فحرامٌ.
          وفيه أنَّ النَّهيَ عن الْمُثلَةِ وتعذيبِ الحيوانِ مخصوصٌ بهذا، وهذا ألمٌ لا يُجحِفُ به. وفيه أَنَّ للإمامِ أن يتناولَ ذَلِكَ بنفسه. وفيه أَنَّ للإمامٍ أن / يتَّخذً مِيسَمًا لخيلِه ولخيلِ السَّبيلِ، وليسَ للنَّاسِ أنْ يتَّخذوا مثلَ خاتَمِه ومِيسَمِه لينفردَ السُّلطانُ بعلامةٍ لا يُشارَكُ فيها، قاله المهلَّب.
          وفيه قصدُ الطِّفل أهلَ الخيرِ والصَّلاحِ للتَّحنيكِ والدُّعاءِ بالبركةِ، وتلك كانتْ عادة النَّاسِ بأبنائهم في زمنِ رسولِ الله صلعم تبرُّكًا بِرِيقِهِ ودعوتِه ويدِه.
          فَرْعٌ: يُستحبُّ أن يكتبَ في ماشيةِ الزَّكاةِ: زكاةٌ أو صدقةٌ، بإجماعِ الصَّحابةِ كما نقلَهُ ابنُ الصَّبَّاغِ.
          خاتمةٌ: انفرد أبو حنيفةَ فقال: إِنَّ الوسمَ مكروهٌ لأَنَّهُ تعذيبٌ ومُثلةٌ وقد نُهيَ عن ذَلِك، حُجَّةُ الجمهور هذا الحديثُ وغيرُهُ مِن الأحاديثِ وأنَّ الشَّارِعَ باشرَ فِعْلَه.