التوضيح لشرح الجامع البخاري

باب زكاة الورق

          ░32▒ بَابُ زَكَاةِ الوَرِقِ.
          1447- ذَكَرَ فيه حديثَ أبي سَعِيدٍ الخُدْرِيِّ: (وَلَيْسَ فِيمَا دُونَ خَمْسِ أَوَاقٍ صَدَقَةٌ).
          وقد سَلَفَ في بابِ ما أُدِّيَ زكاتُه فليس بكنزٍ [خ¦1405] ثُمَّ ذكرهُ مِنْ طريقٍ آخَرَ عنهُ مع الكلامِ عليه واضحًا، وظاهرُهُ نَفْيُ الزَّكَاةِ عمَّا دونَ ذلكَ وإيجابُها في ذلك المقدارِ، وما زاد فبِحِسَابِهِ لأَنَّ النَّصَّ الصَّحيح لَمَّا عُدِمَ في تحديدِ الزَّائدِ تعلَّقَ الوجوبُ به، ويُروَى هذا عن عليٍّ وابنِ عمرَ والنَّخَعيِّ وعمرَ بنِ عبد العزيز وابنِ أبي ليلى واللَّيْثِ والثَّوريِّ وإسحاقَ وأبي ثورٍ ومَنْ سَلَفَ هناك.
          وما أسلفناهُ عن أبي حنيفةَ هناك رُوي عن عمرَ رواه اللَّيثُ عن يَحيى بن أيُّوب عن حُميدٍ عن أنسٍ عنه، وبهِ قال سعيدُ بن المسيَّب والحسنُ وطاوسٌ وعطاءٌ والشَّعْبِيُّ ومكحولٌ وابنُ شهابٍ، واحتجُّوا بحديثِ عبادةَ بن نُسَيٍّ عن معاذٍ: ((أَنَّهُ صلعم لَمَّا بعثَهُ إلى اليمنِ أمرَهُ أَلَّا يأخذَ مِنَ الكسور شيئًا، إِذا بلغ الوَرِقُ مئتي درهمٍ أخذَ منه خمسةَ دراهمَ، ولا يأخُذَ ما زاد حَتَّى يبلُغَ أربعين)).
          قال الطَّبريُّ: عليهم مِن طريقِ النَّظَرِ القياسُ على أوقاصِ البقَرِ وما بين الفريضتينِ في الإبل والغنمِ أَنَّهُ لا شيءَ في ذلك، فالواجبُ أَنْ يكونَ كذلك كلُّ ما وجبتْ فيه الصَّدَقةُ ألَّا يكونَ بينَ الفريضتينِ غيرُ الفرضِ الأوَّل.
          وأجاب الأوَّلُونَ عن حديثِ معاذٍ بأَنَّهُ منقطعٌ، عُبادةُ لم يَسمع منهُ ورواه أبو العَطَّافِ وهو متروكُ الحديثِ، وعليهم مِنْ طريق النَّظَرِ القياسُ على الحبوبِ والثِّمَارِ، وأنَّ الذَّهَبَ والفضَّةَ مُغيَّبانِ مستخرجانِ مِن الأرضِ بكَلَفَةٍ ومُؤْنةٍ، ولا خلافَ بينَ الجميعِ أَنَّ ما زادَ على خمسةِ أوسُقٍ مِنَ الحَبِّ وما تَوصَّلَ إِلَيْهِ بمثْلِ ذلك مِنَ التَّمر والزَّبيب فيهِ مِنَ الصَّدَقَةِ بِحِسابِ ذلك، فالواجبُ قياسًا أنْ يكونَ مِثْلَهُ كلُّ مَا وجبتْ فيه ممَّا استُخرِجَ مِن الأرض بكَلَفَةٍ ومُؤْنةٍ، وهذا القولُ هو الصَّوَابُ، وما لا مشقَّةَ في أوقاصِه يُخرَجُ بخلافِ غيرِه كالماشيةِ، وقياسُهم فاسدٌ فيما يُروى عن أبي حنيفةَ في خمسينَ مِنَ البقرِ مُسنَّةٌ وربعٌ.