التوضيح لشرح الجامع البخاري

باب زكاة الغنم

          ░38▒ بَابُ: زَكَاةِ الغَنَمِ.
          هو اسمُ جنسٍ لا واحدَ لها مِن لفظِها، قال أبو حاتم: وهي أنثى.
          1454- ذَكَرَ فيه بالإسنادِ السَّالفِ إلى ثُمامةَ، عن أَنَسٍ (أَنَّ أَبَا بَكْرٍ كَتَبَ لَهُ هَذَا الْكِتَابَ) وَفِيهِ: (فَمَنْ سُئِلَهَا مِنَ الْمُسْلِمِينَ عَلَى وَجْهِهَا فَلْيُعْطِهَا، وَمَنْ سُئِلَ فَوْقَهَا فَلَا يُعْطِ، فِي أَرْبَعٍ وَعِشْرِينَ مِنَ الإِبِلِ فَمَا دُونَهَا مِنَ الغَنَمِ في كُلِّ خَمْسٍ شَاةٌ) الحديث إلى أَنْ قال: (وَفِي صَدَقَةِ الغَنَمِ فِي سَائِمَتِهَا إِذَا كَانَتْ أَرْبَعِينَ) إِلَى آخِرِهِ وذَكَرَ فيه: (وَفِي الرِّقَّةِ رُبْعُ العُشْرِ).
          الكلامُ عليه مِنْ أوجهٍ:
          أحدُها: قولُه: (هَذِهِ فَرِيضَةُ الصَّدَقَةِ الَّتِي) كذا هو في الأصولِ، ورُوِيَ: (الَّذِي) و(سُئِلَهَا) بضمِّ السِّينِ وكذا (سُئِلَ).
          وقولُه: (فَلْيُعْطِهَا) هو بكسْرِ الطَّاءِ، وكذا قولُهُ: (فَلَا يُعْطِ) والمرادُ لا يعطي الزَّائدَ بل يعطي الواجبَ، وقيل: لا يعطِها لهذا السَّاعي لظُلْمِه بطلَبِ الزَّائدِ فلا طاعةَ له.
          وقولُه: (فِي أَرْبَعٍ وَعِشْرِينَ مِنَ الإِبِلِ...) إلى آخرِه، قيل: الحكمةُ في تقديمِ الخبَرِ على المبتدأ أنَّ المقصودَ بيانُ النِّصَابِ / فكان تقديمُه أهمَّ لأَنَّهُ السَّابقُ في السَّببِ.
          وقولُه: (بِنْتُ مَخَاضٍ أُنْثَى) و(بِنْتُ لَبُوْنٍ أُنْثَى) للتَّأكيدِ لِاختلافِ اللَّفْظِ كـ{غَرَابِيبُ سُودٌ} [فاطر:27] أو للاحترازِ مِنَ الخُنثى.
          ثانيها: قام الإجماعُ على أَنَّ ما دونَ خمسٍ مِنَ الإبل لا زكاةَ فيه لهذا الحديثِ وغيرِه.
          ثالثُها: الشَّاةُ جَذَعةُ الضَّأنِ لها سَنَةٌ لا ستَّةُ أشهُرٍ على الأصحِّ، أو ثَنِيَّةُ مَعْزٍ لها سنتانِ على الأصحِّ، وهو مخيَّرٌ بينهما على الأصحِّ، وفي إجزاءِ الذَّكَرِ وجهان أصحُّهما الإجزاءُ، لِصدق اسمِ الشَّاةِ عليه، فإنَّ الهاءَ فيه ليست للتَّأنيثِ، وقال ابن قُدامةَ: لا يُجزئُ، ويَحتمل الإجزاءَ. وقال ابنُ حَبيبٍ: إنْ كان مِنْ أهل الضَّأن فمنها، وإن كان مِنْ أهل المعْزِ فمنها، وإن كان مِنْ أهل الصِّنفينِ أُخذ ممَّا عندَه، فإنْ كانا عندَه خُيِّرَ السَّاعِي، وقال مالكٌ: يُؤخذ مِنَ الغالِبِ، ولا نَظرَ إلى ما في مِلكِه فيُؤخذ مِنْ غالبِ غَنمِ البلدِ ضأنًا أو مَعزًا، وعنهُ: ما أدَّى أجزأَه، وقال ابن قُدامةَ: الَّذي رُوِيَ عن عليٍّ: في خمسٍ وعشرين خمسُ شياهٍ، لا يصحُّ. وفي ابن التِّين: حُكي عن عليٍّ في ستٍّ وعشرين بنتُ مَخاضٍ، وحكاه أهلُ الخلاف عن الشَّعبيِّ وشَريكٍ، وبه قال أبو مُطيعٍ البَلْخيُّ.
          فرعٌ: قال ابن قُدامة: فإنْ لم يكن غنمٌ لَزمهُ شراءُ شاةٍ، وقال أبو بكر: يُخرِج عشرةَ دراهمَ قياسًا على شاةِ الجُبران.
          رابعُها: (طَرُوقَةُ الجَمَلِ) أي مطروقَتُه مِثْلُ حَلوبةٍ بمعنى محلوبةٍ، والذَّكَرُ مِنَ الإبلِ لا يُلقِحُ حتَّى يكون ثنِيًّا وهو ابنُ ستِّ سنين.
          فرع: يُجزئُ بعيرُ الزَّكَاةِ عن دون خمسٍ وعشرين على الأصحِّ وإن كانت قيمتُه أقلَّ مِنْ قيمةِ الشَّاةِ، لأنَّهُ إذا أجزأ عن خمسٍ وعشرينَ فدونَها أَولى، وبه قال أبو حنيفةَ خلافًا لمالكٍ وأحمدَ وداودَ وهو ظاهرُ الحديثِ.
          خامسُها: قولُه: (فِي أَرْبَعٍ وَعِشْرِينَ مِنَ الإِبِلِ فَمَا دُونَهَا مِنَ الغَنَمِ في كُلِّ خَمْسٍ شَاةٌ) أي الشَّاةُ تُؤخَذُ فيها إلى هذا المقدارِ.
          وقولُه: (إِلَى خَمْسٍ وَثَلاَثِينَ) (إِلَى خَمْسٍ وَأَرْبَعِينَ) (إِلَى سِتِّينَ) دليلٌ على أنَّ الأوقاصَ ليستْ بعفوٍ وأنَّ الفرضَ يتعلَّقُ بالجميعِ وهو أحدُ قولَي الشَّافعيِّ، والأصحُّ خلافُه لقولِه ◙: (فِي كُلِّ خَمْسٍ شَاةٌ) ولو وجبتْ في الوقْصِ لكانتِ الواجبَ في تسعٍ، ولأنَّ العشرين نصابٌ يوجِبُ أن يتقدَّمَهُ عفوٌ كالخَمْسِ، والخلافُ عندَ مالكٍ أيضًا، و(إِلَى) للغايةِ.
          سادسُها: قولُه: (فَإِذَا زَادَتْ عَلَى عِشْرِينَ وَمِئَةٍ إِلَى مِائَتَيْنِ شَاتَانِ) ظاهرُه مطلَقُ الزِّيادةِ حتَّى لو زادت بعضَ شاةٍ على ذَلِكَ، فيجبُ ثلاثُ بناتِ لَبون، وهو قول الإصْطَخْريِّ، والأصحُّ المنعُ قياسًا على سائر النُّصُبِ فإنَّها لم تتغيَّر إلَّا بواحدٍ كامل.
          سابعُها: قولُه: (فَإِذَا زَادَتْ عَلَى عِشْرِينَ وَمِئَةٍ فَفِي كُلِّ أَرْبَعِينَ بِنْتُ لَبُونٍ وَفِي كُلِّ خَمْسِينَ حِقَّةٌ) هذا مستقَرُّ الحسابِ بعْدَ إحدَى وعشرين ومئةٍ كما قرَّرناه، وقال محمَّدُ بن إسحاقَ بنِ يَسار وأبو عُبيدٍ وأحمدُ في روايةٍ: لا يتغَيَّر الفرضُ إلى ثلاثين ومئةٍ فيكونُ فيها حِقَّةٌ وبنتا لَبون، وعن مالكٍ روايتانِ روى عنه ابن القاسم وابنُ عبد الحكم أنَّ السَّاعيَ بالخِيار بين أن يأخذَ ثلاثَ بناتِ لَبونٍ أو حِقَّتينِ على ما يرى صلاحًا للفقراءِ، وهو قولُ مُطرِّف وابنِ أبي حازم وابنِ دينارٍ وأصبغَ، وقال ابنُ القاسم: فيها ثلاثُ بناتِ لَبونٍ ولا يُخيَّرُ السَّاعي إلى أن تبلغَ ثلاثين ومئة فيكون فيها حِقَّةٌ وابنتا لَبونٍ، وهو قولُ الزُّهْريِّ والأَوزاعيِّ والشَّافعيِّ وأبي ثورٍ.
          ورَوَى عبدُ الملك وأشهبُ وابنُ نافعٍ عن مالكٍ أَنَّ الفريضةَ لا تتغيَّرُ عن الحِقَّتينِ بزيادةِ واحدةٍ حتَّى تزيدَ عشرًا، فيكونَ فيها بنتا لَبونٍ وحِقَّةٌ، وهو مذهبُ أحمدَ، وقال عبدُ الملِكِ: وإِنَّمَا يعني بالزِّيادةِ في الحديثِ زيادةً تُحيلُ الأسنانَ، ولا تزول عن الحِقَّتين إلى ثلاثين ومئةٍ.
          وعندَ أهلِ الظَّاهر _وهو قولُ الإصْطَخْريِّ السَّالفُ_ إذا زادتْ على عشرين ومئةٍ بعضَ بعيرٍ ففي كلِّ خمسين حِقَّةٌ وفي كلِّ أربعينَ بنتُ لَبونٍ، وقال حمَّاد والحَكم: إنَّ في مئةٍ وخمسٍ وعشرينَ حِقَّتينِ وبنتَ مَخاض، وقال ابن جَرير: يَتَخَيَّرُ بينَ الاستئنافِ وعدَمِه لورودِ الأخبار بهما، ووقَعَ في «النهاية» و«الوسيط» أنَّه قولُ ابن خيران بدل ابنِ جَرير وهو تصحيفٌ.
          وعندَ أبي حنيفةَ إذا زادتْ على مئةٍ وعشرينَ يَستأنفُ الفريضةَ، فيكونُ في الخمْسِ شاةٌ مع الحِقَّتينِ وفي العشر شاتانِ وهكذا إلى خمسٍ وعشرين فبنتُ مَخاضٍ، إلى مئة وخمسين فثلاثُ حِقاق، ثُمَّ تُستَأنَفُ الفريضةُ كذلك، وهذا قولُ ابنِ مسعودٍ والنَّخَعيِّ والثَّوريِّ وأهلِ العراقِ.
          وحكَى الدَّاوديُّ عن عليٍّ أنَّهَا إِذا زادتْ على العشرين خمسًا أو على الثَّلاثين والمئةِ أو على العُقودِ التي فوقَ المئةِ والعشرين أو زادتْ أكثرَ مِن خمسٍ ففيها شاةٌ، وفي «مراسيل» أبي داودَ ما يُستدلُّ له به. وروى الطَّحاويُّ عن أبي عُبيدٍ وزيادِ بن أبي مريمَ عن ابن مسعودٍ أَنَّهُ قال: فإذا زادت الإبلُ على تسعينَ ففيها حِقَّتانِ إلى عشرين ومئة، فإذا بلغتْها استُقبِلت الفريضةُ بالغَنمِ في كل خمسٍ شاةٌ، فإذا بلغتْ خمسًا وعشرين فالفرائضُ بالإبلِ، فإذا زادتْ ففي كلِّ خمسين حِقَّةٌ. قال الطَّحَاويُّ: فهذا ابنُ مسعودٍ مِنْ أكبرِ الصَّحابةِ وأعلمِهِم قد قال بالاستئناف بالشِّياه.
          وروى عاصمُ بن ضَمْرةَ فيما رواهُ ابنُ أبي شَيبةَ عن عليٍّ أَنَّهَا إذا زادت على عشرين ومئةٍ ردَّ الفرائض إلى أوَّلِها. وقال الطَّبريُّ: اختَلفت الآثارُ في ذَلِكَ، فرُوِيَ ما يوافقُ كلَّ طائفةٍ، فمَن شاءَ أَخذَ بقولِ مَن شاءَ منهم. وقال غيرُه: ما قالَه أبو حنيفة خلافُ حديثِ أنسٍ في البابِ وهو المعمولُ به، وفيه: (فَإِذَا زَادَتْ عَلَى عِشْرِينَ وَمِئَةٍ، فَفِي كُلِّ أَرْبَعِينَ بِنْتُ لَبُونٍ وَفِي كُلِّ خَمْسِينَ حِقَّةٌ) ولم يَخُصَّ زيادةً مِن زيادةٍ ولا ذَكَرَ استئنافَ الغنم، وكذلك في روايةِ الزُّهريِّ عن سالمٍ عن أبيهِ وفي كتابِ عمرَ بن الخطَّاب، وهذِه جملةُ الأخبارِ المعوَّلُ عليها وهي مخالفةٌ لقولِه.
          ثامِنُها: قام الإجماعُ _كما قال ابنُ المنذِرِ_ على أَنَّهُ لا شيءَ في أقلَّ مِن الأربعينَ مِن الغنمِ، وأنَّ في الأربعينَ شاةً، وفي مئةٍ وإحدى وعشرينَ شاتان، وفي ثلاثِ مئةٍ ثلاثُ شياهٍ، فإذا زادت واحدةً فليسَ فيها شيءٌ إلى أربعِ مئةٍ ففيها أربعُ شِياهٍ، ثُمَّ في كلِّ مئةٍ شاةٌ، وهذا قولُ أبي حنيفةَ ومالكٍ والشَّافعيِّ وأحمدَ في الصَّحيحِ عنه، والثَّوريِّ وإسحاقَ / والأَوزاعيِّ وجماعةِ أهلِ الأثر، وهو قولُ عليٍّ وابنِ مسعودٍ.
          وقالَ الشَّعبيُّ والنَّخَعيُّ والحسنُ بنُ حيٍّ: إذا زادتْ على ثلاثِ مئةٍ واحدةً ففيها أربعُ شِياهٍ إلى أربعِ مئةٍ، فإذا زادتْ واحدةً يجبُ فيها خَمْسُ شِياهٍ، وهي روايةٌ عن أحمدَ وهو مخالفٌ للآثارِ. وقيل: إذا زادتْ على مئتينِ ففيها شاتان حتَّى تبلغَ أربعينَ ومئتين، حكاه ابنُ التِّينِ، وفقهاءُ الأمصارِ على خلافِه.
          تاسعُها: شَرْطُ الوجوبِ السَّومُ عند الشَّافعيِّ وأبي حنيفةَ، وهي الرَّاعيةُ في كلأٍ مباحٍ، واحتجَّ مالكٌ على ذَلِكَ بقولِه تعالى: {وَمِنْهُ شَجَرٌ فِيهِ تُسِيمُونَ} [النحل:10] يقولُ: فيه تَرْعَون.
          وقال ابنُ حَزْم: قال مالكٌ واللَّيثُ وبعضُ أصحابِنا: تُزكَّى السَّوائمُ والمعلوفةُ والمتَّخَذَةُ للرُّكوبِ وللحرْثِ وغيرِ ذَلِكَ من الإبلِ والبقرِ والغنمِ. وقال بعضُ أصحابِنا: أمَّا الإبلُ فنعم، وأما البقرُ والغنمُ فلا زكاةَ إلا في سائمتِها، وهو قولُ أبي الحسن بنِ المُغَلِّس، وقال بعضُهم: أمَّا الإبلُ والغنم فيُزكَّى سائمتُها وغيرُ سائمتِها، وأَمَّا البقرُ فلا تُزكَّى إلَّا سائمتُها، وهو قولُ أبي بكر بن داود، ولم يختلف أحدٌ مِنْ أصحابِنا في أَنَّ سائمةَ الإبلِ وغيرَ السَّائِمَةِ منها تُزكَّى سواءٌ سواءٌ، وقال بعضُهم: تُزكَّى غيرُ السَّائمةِ مِن كلِّ ذلك مرَّةً واحدةً في الدَّهر، ثُمَّ لا يُعِيدُ الزَّكاةَ فيها.
          وفي «شرح الهداية» قولُه: وليس في العوامِلِ والحوامِلِ والمعلوفةِ صدقةٌ، هذا قولُ أكثرِ أهلِ العلم كعطاءٍ والحسنِ والنَّخَعيِّ وابن جُبيرٍ والثَّوريِّ واللَّيثِ والشَّافعيِّ وأحمدَ وإسحاقَ وأبي ثورٍ وأبي عُبيدٍ وابنِ المنذِر، ويُروَى عن عمرَ بن عبد العزيز، وقال قَتادةُ ومكحولٌ ومالكٌ: تجب الزَّكاةُ في المعلوفةِ والنواضِحِ بالعُموماتِ، وهو مذهبُ مُعاذٍ وجابرِ بن عبد الله وسعيدِ بن عبد العزيز وابنِ حَيٍّ، وحكاه ابنُ بطَّالٍ عن عمرَ بن عبد العزيز والزُّهْريِّ، قال: ورُوي عن عليٍّ ومُعاذٍ أَنَّهُ لا زكاةَ فيها وهو قولُ أبي حَنيفةَ ومَن سَلَفَ.
          حُجَّةُ مَنِ اشترطَهُ: كتابُ الصِّدِّيقِ وحديثُ عمرو بن حزمٍ مثلُهُ، و((في سائمة الغنمِ في كلِّ أربعين شاةً شاةٌ)) وشرطُ السَّوْمِ في الإبلِ حديثُ بَهْز بن حَكيم عن أبيه عن جدِّهِ مرفوعًا: ((في كلِّ سائمةٍ مِن كلِّ أربعينَ مِنَ الإبلِ ابنةُ لَبونٍ)) رواه أبو داودَ والنَّسَائيُّ والحاكمُ وقال: صحيحُ الإسنادِ.
          وقد وَرَدَ تقْييدُ السَّومِ وهو مفهومُ الصِّفَةِ، والمطلَقُ يُحمَلُ على المقيَّدِ إذا كانا في حادثةٍ واحدةٍ، وبالصِّفَةِ إذا قُرِنَتْ بالاسمِ العَلَم تُنزَّل منزلةَ العِلَّةِ لإيجاب الحُكمِ، وعن عليٍّ عن رسولِ الله صلعم: ((ليس في العواملِ صدقةٌ)) رواه الدَّارَقُطْنيُّ وصحَّحَهُ ابنُ القطَّان، ورواهُ الدَّارَقُطْنيُّ أيضًا مِنْ حديثِ ابنِ عبَّاسٍ وعمرِو بن شُعيبٍ عن أبيهِ عن جدِّه.
          وعن جابر قال: لا يُؤخَذُ مِن البقَرِ الَّتي يُحرَثُ عليها مِن الزَّكَاةِ شيءٌ، ورَفَعَهُ حجَّاجٌ عن ابن جُرَيجٍ عن زيادِ بن سعدٍ عن أبي الزُّبيرِ عنه بلفظِ: ((ليس في الْمُثِيرةِ صدقةٌ)) وفي «مصنَّفِ ابن أبي شَيبة» مِن حديثِ ليثٍ عن طاوسٍ عن مُعاذٍ أَنَّهُ كان لا يأخُذُ مِن البَقَرِ العواملِ صدقةً، وحدَّثنا هُشَيم عن مُغيرةَ عن إبراهيمَ ومجاهدٍ قالا: ليس في البقرِ العوامِلِ صدقةٌ. ومِن حديثِ حجَّاجٍ عن الحَكَمِ أَنَّ عمرَ بنَ عبدِ العزيزِ قال: ليسَ في العوامِلِ شيءٌ. وكذا قالَهُ سعيدُ بنُ جُبَيرٍ والشَّعبيُّ والضَّحَّاكُ وعمرُو بنُ دينارٍ وعطاءٌ، وفي «الأسرار» للدَّبُّوسيِّ: وعليٌّ وجابرٌ وابنُ عبَّاسٍ.
          حُجَّةُ مَن مَنَعَهُ ما رواه إسماعيلُ القاضي في «مبسوطِه» عن اللَّيثِ قال: رأيتُ الإبلَ الَّتي تُكرَى للحجِّ تُزكَّى بالمدينةِ، ويَحيى بنُ سعيدٍ وربيعةُ وغيرُهم مِن أهلِ المدينةِ حُضورٌ لا ينكرونَه ويَرَوْنَ ذَلِكَ مِنَ السُّنَّةِ إذا لم تكن متفرِّقَةً. وعن طلحةَ بن أبي سعيدٍ أنَّ عمرَ بن عبد العزيزِ كَتَبَ وهو خليفةٌ أن تُؤخذَ الصَّدقةُ مِن الَّتي تعملُ في الرِّيفِ، قال طَلحةُ: حضرتُ ذَلكَ وعاينتُه.
          وعندَ أبي حنيفةَ وأحمدَ أَن السَّائمةَ هي الَّتي تكتفي بالرَّعْيِ في أكثَرِ الحوْلِ لأَنَّ اسمَ السَّوْمِ لا يزولُ عنها بالعلَفِ اليسيرِ، ولأنَّ العلفَ اليسيرَ لا يمكنُ التَّحرُّزُ عنه، ولأَنَّ الضَّرُورة تدعو إليه في بعضِ الأحيانِ لعدَمِ المرعى فيه، واعتبَرَ الشَّافعيُّ السَّومَ جميعَ الحوْلِ ولو عُلِفَتْ قَدْرًا تعيشُ بدونِه بلا ضررٍ بيِّنٍ وجبت الزَّكَاةُ.
          وفي الحديثِ مِنَ الفوائدِ جوازُ الدَّفْعِ عن مالِهِ إذا طُولِبَ بالزِّيَادةِ عَمَلًا بقولِه: (وَمَنْ سُئِلَ فَوْقَهَا فَلاَ يُعْطِ) قال ابنُ التِّينِ: ولو بالقِتالِ، قال: وفيه حديثٌ حسنٌ رواه ابنُ إسحاقَ في «المسند الصَّحيحِ» كَذَا قال.