التوضيح لشرح الجامع البخاري

باب الصدقة قبل الرد

          ░9▒ بَابُ الصَّدَقَةِ قَبْلَ الرَّدِّ.
          1411- 1412- 1413- 1414- ذَكَرَ فِيْهِ حديثَ حَارِثَةَ بْنِ وَهْبٍ: (تَصَدَّقُوا، فَإِنَّهُ يَأْتِي عَلَيْكُمْ زَمَانٌ) الحديث.
          وحَدِيثَ أَبِي هُرَيْرَةَ: (لَا تَقُومُ السَّاعَةُ حَتَّى يَكْثُرَ فِيكُمُ الْمَالُ فَيَفِيضَ) الحديث.
          وَحَدِيثَ عَدِيٍّ مطوَّلًا وفي آخِرِه: (فَلْيَتَّقِيَنَّ أَحَدُكُم النَّارَ وَلَوْ بِشِقِّ تَمْرَةٍ، فَإِنْ لَمْ يَجِدْ فَبِكَلِمَةٍ طَيِّبَةٍ).
          وحَدِيثَ أبي موسى: (لَيَأْتِيَنَّ عَلَى النَّاسِ زَمَانٌ يَطُوفُ الرَّجُلُ فِيهِ بِالصَّدَقَةِ مِنَ الذَّهَبِ، ثُمَّ لا يَجِدُ أَحَدًا يَأْخُذُهَا مِنْهُ...) إِلَى آخرِه.
          الشَّرح: فيه الحثُّ على الصَّدَقَةِ والتَّرغيبُ ما وُجد أهلُها المستحقُّون لها خشْيَةَ أنْ يأتيَ الزَّمَنُ الَّذِي لا يوجدُ فيهِ مَن يأخُذَهَا وهو زمانُ كثرةِ المالِ وفيضِه قُرْبَ السَّاعةِ.
          وفي قولِه: (وَلَوْ بِشِقِّ تَمْرَةٍ) حضٌّ على القليلِ مِن الصَّدقةِ، وهو بكسْرِ الشِّينِ، أي نصفها.
          وقولُه: (فَإِنْ لَمْ يِجِدْ فَبِكَلِمَةٍ طَيِّبَةٍ) حضٌّ أيضًا على ألَّا يَحْقِرَ شيئًا مِن المعروفِ قولًا وفعلًا وإن قلَّ، فالكلمةُ الطَّيِّبَةُ يتَّقِّي بها النَّار، كما أنَّ الكلمةَ الخبيثةَ يستوجبُها بها.
          وقولُه: (وَيُرَى الرَّجُلُ الوَاحِدُ يَتْبَعُهُ أَرْبَعُونَ امْرَأَةً، يَلُذْنَ بِهِ) أي يُحِطْن بهِ مِنْ قِلَّةِ الرِّجَالِ وَكَثْرَةِ النِّسَاءِ (فَهَذَا _واللهُ أعلمُ_ يكونُ عندَ ظُهورِ الفِتَنِ وكثرةِ القتْلِ في النَّاسِ، قال الدَّاوُديُّ: ليسَ لَهُنَّ قَيِّمٌ غَيْرُهُ، وهذا يحتمل أن يكنَّ نساءَه وجواريَه وذواتِ محارِمِه وقراباتهِ، / وهذا كلُّهُ مِن أشراطِ السَّاعةِ، ففيهِ الإعلامُ بما يكونُ بعدَهُ.
          وكثرةُ المالِ حَتَّى لا يجد مَن يقبلُهُ، وأنَّ ذلك) بعدَ قتْلِ عيسى ◙ الدَّجَالَ والكُفَّارَ فلمْ يبقَ بأرض الإسلام كافرٌ، وتنزلُ إذْ ذاكَ بركاتُ السَّمَاءِ إلى الأرضِ، والنَّاسُ إذْ ذاكَ قليلونَ لا يدَّخِرونَ شيئًا لعِلْمِهم بقُرْبِ السَّاعةِ، وتُري الأرضُ إذْ ذاكَ بركاتِها حَتَّى تُشبِعَ الرُّمَّانةُ السَّكْنَ وهُم أهلُ البيتِ، وتُلقِي الأرضُ أفلاذَ كَبِدِها وهو ما دفنَتْهُ ملوكُ العَجَمِ كِسرى وغيرُهُ، ويكثُرُ المالُ حَتَّى لا يَتنافَسَ فيه النَّاسُ.
          وقولُه في حديثِ عَدِيٍّ: (ثُمَّ لَيَقِفنَّ أَحَدُكُمْ بَيْنَ يَدَيِ اللهِ ╡ لَيْسَ بَيْنَهُ وَبَيْنَهُ حِجَابٌ وَلَا تُرْجُمَانٌ) هو على جهةِ التَّمثيلِ ليُفهَمَ الخطابُ لأَنَّ الله تعالى لا يُحيطُ بهِ شيءٌ ولا يحجُبُه حجابٌ، وإِنَّمَا يستَتِرُ تعالى عن أبصارِنا بما وضعَ فيها مِن الحُجُبِ والضَّعْفِ عن الإدراكِ في الدُّنيا، فإِذا كان في الآخرةِ وكَشَفَ تلك الحُجُبَ عن أبصارِنا وقوَّاها حَتَّى تدرِكَ معاينةَ ذاتِه كما يُرى القمرُ ليلةَ البدْرِ، كما ثبتَ في الأحاديثِ الصِّحاحِ الآتيةِ في موضعِها.
          وقولهُ: (حَتَّى يُهِمَّ رَبَّ المَالِ مَنْ يَقْبَلُ صَدَقَتَهُ) هو بضمِّ الياء وكسْرِ الهاءِ هذا هو المشهور، وقيل بفتْحِ الياء وضمِّ الهاء ورفْعِ <رَبُّ المَالِ> وتقديرُه يَهُمُّهُ مَن يَقبَلُ صدقَتَه أي يقصِدُه، قال صاحب «العين»: أهمَّنِي الأمرُ مثلُ غمَّني، وهَمَّني همًّا آذاني.
          وقولُه: (بِغَيْرِ خَفِيرٍ) أي مُجيرٍ، الخَفيرُ المُجير والخِفارةُ الذِّمَّة، والخَفيرُ مَن يصحَبُ القومَ لئلَّا يَعرِضَ لهم أحدٌ، واشتقاقُهُ مِنَ الخَفْرِ يصحبُهم فلا تُخْفَرُ ذِمَّتُه.
          وقولُه: (لَا أَرَبَ لِي فِيهِ) يقول: لا حاجةَ. وفيهِ أَنَّهُمْ كانوا يَشْكونَ إلى الشَّارعِ مِن عَيلَةٍ وقطْعِ طريقٍ وغيرِه لِمَا يرجونَ عندَه مِن الفَرَجِ. و(الْعَيْلَةَ) الفَقْرُ.
          وقولُه: (فَلَا يَرَى إِلَّا النَّارَ) يُقال إنه يُؤتَى بها يومَ القيامةِ تُقادُ بسبعينَ ألْفِ زِمامٍ فَتُقَرَّبُ مِن النَّاسِ فحينئذٍ يقول الرُّسلُ: ربِّ سلِّمْ سلِّمْ. فاجتهِدوا فيما يقيكُم منها ولا تحقِرُوا شيئًا مِن المعروفِ ولو شِقَّ تمرةٍ.