التوضيح لشرح الجامع البخاري

باب أخذ الصدقة من الأغنياء وترد في الفقراء حيث كانَوا

          ░63▒ بَابُ: أَخْذِ الصَّدَقَةِ مِنَ الأَغْنِيَاءِ وَتُرَدُّ فِي الفُقَرَاءِ حَيْثُ كَانُوا.
          1496- ذَكَرَ فيه حديثَ معاذٍ، وسَلَفَ في أوَّلِ الزَّكَاةِ أكثرُه، وبعضُه في أثنائِه، وقد سَلَفَ هناك الاختلافُ في نقْلِ الصَّدَقَة مِنْ بلدِها.
          وهو حُجَّةٌ للمانع لأَنَّهُ أخبرَ أَنَّهَا تُرَدُّ في فقراءِ اليمن إذا أُخِذَتْ مِن أغنيائِهم، واحتَجَّ المجيزُ بأثرِ معاذٍ السَّالِف: ائتوني بعرْضِ ثيابٍ خميسٍ أو لَبيسٍ في الصَّدَقةِ فَإِنَّهَا أنفعُ لأهلِ المدينة. فأعلَمَهم أَنَّهُ ينقلُها إلى المدينةِ، وكان عَدِيُّ بنُ حاتمٍ ينقلُ صدقةَ قومِه إلى الصِّدِّيقِ بالمدينةِ فلم ينكِر عليه.
          وفيه أيضًا كما سَلَفَ هناك أَنَّ الزَّكَاةَ تُعطَى لصنفٍ واحدٍ خلافًا للشَّافعيِّ، وقد اختَلف العلماءُ في الصَّدَقاتِ هل هي مقسومةٌ على مَن سمَّى اللهُ تعالى في قولِه: {إِنَّمَا الصَّدَقَاتُ لِلْفُقَرَاءِ}الآية[التوبة:60]؟ فقال مالكٌ والثَّوريُّ وأبو حنيفةَ وأصحابُه: يجوز أن توضعَ في صنفٍ واحدٍ مِنَ الأصنافِ المذكورةِ على قَدْرِ اجتهادِ الإمامِ، وهو قولُ عطاءٍ والنَّخَعِيِّ والحسنِ البَصْريِّ، وقال الشَّافعيُّ: هي مقسومةٌ على ثمانيةِ أصنافٍ لا يُصرف منها سهمٌ عن أهلِه ما وُجدوا، وهو قولُ عِكرمَةَ وأَخَذَ بظاهرِ الآية.
          قال: وأجمعوا لو أَنَّ رجُلًا أوصى بثُلُثِه لثمانيةِ أصنافٍ لم يَجُزْ أن يُجعَلَ ذَلِكَ في صنفٍ واحدٍ، فكان ما أَمَرَ اللهُ تعالى بقسمتِه على ثمانيةِ أصنافٍ أَوْلى ألَّا يُجعَلَ في واحدٍ، ومعنى الآيةِ عندَ مالكٍ والكوفيِّينَ إعلامٌ مِنَ اللهِ لِمَن تحلُّ له الصَّدَقة بدليلِ إجماعِ العلماء أنَّ العاملَ عليها لا يستحقُّ ثُمْنَها وإنَّمَا له بقَدْرِ عَمَلِه، فدلَّ ذَلِكَ على أَنَّهَا ليست مقسومةً على ثمانيةِ أصنافٍ بالسَّوَاءِ، واحتجُّوا بما رُوِيَ عن حذيفةَ وابنِ عبَّاسٍ أَنَّهُمَا قالا: إذا وضعْتَها في صنفٍ واحدٍ أجزأكَ، ولا مخالفَ لهما مِن الصَّحَابةِ فهو كالإِجماع.
          وقال مالكٌ والكوفيُّون: المؤلَّفةُ قلوبُهم قد بطَلُوا ولا مؤلَّفةَ اليومَ، وليس لأهلِ / الذِّمَّة في بيتِ المالِ حقٌّ، وقال الشَّافعيُّ: المؤلَّفَةُ قلوبُهم مَن دخلَ في الإسلامِ ولا يُعطى مشركٌ يُتألَّفُ على الإسلامِ.
          وقولُه: (اتَّقِ دَعْوَةَ المَظْلُومِ) فيهِ عِظَةُ الإمامِ مَن ولَّاه النَّظَرَ في أمورِ رعيَّتِه، ويأمرُه بالعدلِ بينهم، ويخوِّفُهُ عاقبةَ الظُّلمِ ويحذِّرُه وبالَه، قال تعالى: {أَلَا لَعْنَةُ اللهِ عَلَى الظَّالِمِينَ} [هود:18] ولعنةُ الله الإبعادُ مِن رحمتِه. والظُّلم مُحرَّمٌ في كلِّ شريعةٍ، وقد جاءَ أنَّ دعوةَ المظلومِ لا تُرَدُّ وإنْ كانت مِن كافرٍ، ومعنى ذَلِكَ أَنَّ الرَّبَّ تعالى لا يرضَى ظُلْمَ الكافرِ كما لا يرضَى ظُلْمَ المؤمنِ، وأخبرَ تعالى أَنَّهُ لا يظلِمُ النَّاسَ شيئًا فدخلَ في عموم هذا اللَّفظِ جميعُ النَّاسِ مِن مؤمنٍ وكافرٍ. وحذَّر معاذًا مِنَ الظُّلم مع علمِهِ بفضلِه وورعِه وأنَّهُ مِن أهلِ بدرٍ وقد شهِدَ له بالجَنَّة، غيرَ أَنَّهُ لا يأمَنُ أحدٌ بل يُشْعِرُ نفسَه بالخوفِ.