التوضيح لشرح الجامع البخاري

باب إثم مانع الزكاة

          ░3▒ (بَابُ إِثْمِ مَانِعِي الزَّكَاةِ.)
          وَقَوْلِ اللهِ تَعَالَى: {وَالَّذِينَ يَكْنِزُونَ الذَّهَبَ وَالْفِضَّةَ وَلَا يُنْفِقُونَهَا فِي سَبِيلِ اللهِ} إِلَى قَوْلِه: {تَكْنِزُونَ} [التوبة:34-35]
          1402- 1403- ذَكَرَ فيه حديثَ أبي هُريرةَ قالَ النَّبِيُّ صلعم: (تَأْتِي الإِبِلُ عَلَى صَاحِبِهَا عَلَى خَيْرِ مَا كَانَتْ، إِذَا هُوَ لَمْ يُعْطِ فِيهَا حَقَّهَا تَطَؤُهُ بِأَخْفَافِهَا) الحديث.
          وعنه أيضًا قال رَسُولُ اللهِ صلعم: (مَنْ آتَاهُ اللهُ مَالًا فَلَمْ يُؤدِّ زَكَاتَهُ، مُثِّلَ لَهُ مَالُهُ يَوْمَ القِيَامَةِ شُجْاعًا أَقْرَعَ) الحديث.
          الشَّرح: جعلَ أبو العبَّاس الطَّرْقيُّ هذينِ الحديثينِ حديثًا واحدًا، ورواه مالكٌ في «موطَّئه» موقوفًا على أبي هُريرة.
          قال أبو عمرَ: ورواه عبدُ العزيزِ بنُ أبي سَلَمة عن عبدِ الله بن دينارٍ عن ابنِ عمرَ مرفوعًا، وهذا في النَّسائيِّ، قال: وهو عندي خطأٌ، والمحفوظُ حديثُ أبي هُريرة وحديثُ عبدِ العزيزِ خطأٌ بيِّنٌ في الإسنادِ، وروايةُ مالكٍ وعبدِ الرَّحمن أَي الَّتي في البخاريِّ فيه هي الصَّحِيحةُ وهو مرفوعٌ صحيحٌ.
          أَمَّا الآيةُ فقال أبو زكريَّا يَحيى بن زيادٍ النَّحويُّ في «معانيه»: {وَلَا يُنْفِقُونَهَا} إن شئتَ وجَّهْتَ الذَّهبَ والفضَّةَ إلى الكنوزِ، وقيل: المرادُ بالإنفاقِ الزَّكَاةُ، ويجوزُ أن يكونَ محمولًا على الأموالِ ويجوزُ أن نُعيدَه على الفضَّةِ، وحُذِفَ الذَّهَبُ لأَنَّهُ داخلٌ فيها.
          وهذِهِ الآية قال الأكثرون إِنَّهَا في أهلِ الكتاب، وقيل عامَّةٌ، وقيل خاصَّةٌ فيمَنْ لم يؤدِّ زكاتَه مِن المسلمين وعامَّةٌ في المشركين، وهو تأويلُ البُخاريِّ بعدَ هذا، وقيل: إِنَّهَا منسوخةٌ بقولِه تعالى: {خُذْ مِنْ أَمْوَالِهِمْ صَدَقَةً} لأَنَّ جمْع المالِ كان محرَّمًا في أوَّلِ الإسلامِ فلمَّا فُرضَتِ الزَّكَاةُ جازَ جمْعُه، وقد وقع في «الصَّحيح» عن ابن عمرَ _وقد سُئِلَ عن هذِه الآية_ قالَ: كان هذا قبلَ أن تُفرضَ الزَّكَاة. وفي أبي داودَ بإسنادٍ جيِّدٍ عن ابنِ عبَّاسٍ: لَمَّا نزلت هذِه الآيةُ كَبُرَ ذلك على المسلمين، فسأل عمرُ رسولَ الله صلعم فقال: ((إنَّ اللهَ تعالى لم يفرِض الزَّكَاةَ إِلَّا ليطيِّب ما بقي مِن أموالِكم)).
          واستَدلَّ بهذِهِ الآيةِ البخاريُّ على إِثْم مانعي الزَّكَاة، ومَن أدَّاهَا ليسَ بداخلٍ فيها، واستدلَّ بها أيضًا على إيجابِ الزَّكَاة في سائرِ الذَّهبِ والفضَّةِ المطبوعِ وغيرِه لعمومِ اللَّفظِ، وعلى ضمِّ الذَّهبِ إلى الفِضَّة وهو قولُ الحنفيَّة، فيُضمُّ بالقيمةِ كالعَرْضِ وعندَ صاحبَيْهِ بالأجزاءِ.
          والكنزُ أصله الضَّمُّ والجمعُ ولا يختصُّ ذلك بالنَّقدَينِ، ألَا ترى إلى قولِه صلعم: ((ألا أخبركم بخيرِ ما يكنزه المرء؟ المرأةُ الصَّالحة)) أي يضمُّهُ لنفسِه ويجمعُه. وقال صاحب «المحكم»: هو اسمٌ للمالِ ولما يُحرَزُ فيه وجمعُه كنوزٌ، وقال في «المغيث»: هو اسمٌ للمالِ المدفون، وقيل: هو الَّذِي لا يُدرَى مَن كَنَزَهُ، وسيأتي في البابِ بعدَه زيادةٌ على ذلك، وعن عليٍّ: أربعةُ آلافٍ فما دونَها نَفَقةٌ، فإنْ زادَتْ فهي كنزٌ أُدِّيت زكاةٌ أو لم تؤدَّ، وظاهرُه منعُ ادِّخَارِ كثيرِ المال، وعن أبي أُمامة: مَن خلَّف بيضاءَ أو صفراءَ كُوِيَ بها مغفورًا له أو غيرَ مغفورٍ، حكاه ابنُ التِّين.
          وقولُه:{فَبَشِّرْهُمْ بِعَذَابٍ أَلِيمٍ} [آل عمران:21] أي اجعلْ لهم موضِعَ البِشارةِ عذابًا أليمًا، أي مؤلِمًا.
          وقولُه: (عَلَى خَيْرِ مَا كَانَتْ) يعني في القُوَّة والسِّمَنِ، لِيكون أشدَّ لِثِقَلِها وأنكَى.
          وقولُه: (تَطَؤُهُ بِأَخْفَافِهَا) سقطت الواوُ مِن (تَطَؤُهُ) عندَ بعضِ النَّحويِّين لشذوذِ هذا الفعل مِنْ بين نظائرِه في التَّعدِّي وكذلكَ وَسِعَ، لأنَّ الفعلَ إذا كانَ فاؤُهُ واوًا وكان على فَعِلَ بكسْرِ العينِ كان غيرَ متعدٍّ غيرَ هذين الحرفين، فلمَّا شذَّا دونَ نظائرِهما أُعطيا هذا الحكمَ، وقيل: إِنَّ أصلَهُ يَوْطِئُ بكسْرِ الطَّاء، فسقطَتْ لوقوعِها بين ياءٍ وكسْرَةٍ، ثُمَّ فُتحَتِ الطَّاءُ لأجْلِ الهمزةِ.
          وقولُه: (وَتَنْطِحُهُ) هو بكسر الطَّاء، وحكى المطرِّز في «شرح الفصيح» فتْحَها وهو في «الصحاح» أيضًا، وماضيه مخفَّفٌ وقد شُدِّد. ولا يَخْتَصُّ بالكبْشِ كما ادَّعَاهُ ابنُ صافٍ، بل يُسْتعملُ في الثَّور وغيرِه.
          وقولُه: (وَمِنْ حَقِّهَا أَنْ تُحْلَبَ عَلَى المَاءِ) / وجهُه نيلُ المنتابِ إلى الماء مِن الفقراءِ حَسوَةً مِن لَبَنِها، وكذلك أبناء السَّبيل والمارَّة، وقد عابَ اللهُ قومًا أخفَوا جِدادهم في قولِه: {لَيَصْرِمُنَّهَا مُصْبِحِينَ} [القلم:17] أرادُوا ألَّا يصيبَ المساكينُ منها شيئًا، وقيل في قولِه تعالى: {وَآتُوا حَقَّهُ يَوْمَ حَصَادِهِ} [الأنعام:141] نحوٌ مِن هذا، وقيل: كانَ هذا قبلَ فرْضِ الزَّكَاةِ، ويحْتَمَل أن يكونَ باقيًا معها وأَنَّهُ مثلها، قاله الشَّعبيُّ والحسنُ وعطاءٌ وطاوسٌ.
          وقال أبو هريرة: حقُّ الإبِلِ أن تُنحَرَ السَّمينةُ وتُمنَح الغزيرةُ ويُفقَرَ الظَّهرُ ويُطرَقَ الفحلُ ويُسقَى اللَّبَن. وتأوَّل قائلُه قولَه تعالى: {وَالَّذِينَ فِي أَمْوَالِهِمْ حَقٌّ مَعْلُومٌ. لِلسَّائِل وَالْمَحْرُومِ} [المعارج:24-25] فقالوا: مِثْلُ فكِّ العاني وإطعامِ الجائع الَّذي يُخاف ذهابُ نفْسِه، والمواساةِ في المَسغَبةِ والعُسرَةِ.
          وتأوَّل مسروقٌ في قولِه تعالى: {سَيُطَوَّقُونَ مَا بَخِلُوا بِهِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ} [آل عمران:180] قال: هو الرَّجلُ يرزقُه الله المالَ فيمنع قرابتَه صِلَتَه فيُجْعلُ حيَّةً يطوَّقُها، ومذهبُ أكثر العلماء أنَّ هذا على النَّدب أي إنَّ هذا حقُّ الكرمِ والمواساةِ وشريفِ الأخلاق، وقد بيَّن الشَّارعُ أنَّ قولَه: {سَيُطَوَّقُونَ} في مانعِ الزَّكَاةِ، وقد انتزعها ابنُ مَسعودٍ في مانعِها أيضًا.
          وقالَ إسماعيلُ القاضي: الحقُّ المفتَرضُ هو الموصوفُ المحدودُ، وقد تَحْدُثُ أمورٌ لا تُحدُّ ولا يُحدُّ لها وقتٌ فيجب فيها المواساةُ للضَّرورةِ الَّتي تنزلُ مِن ضيفٍ مضطرٍّ أو جائعٍ أو عارٍ أو ميِّتٍ ليس له مَن يوارِيه، فيجبُ حينئذٍ على مَنْ يُمْكِنُهُ المواساة الَّتي تزولُ بها هذِه الضَّرورات.
          قلتُ: وكان مِن عادةِ العربِ التَّصدُّقُ باللَّبنِ على الماءِ، وكان الضُّعفاءُ يرصُدُونَ ذلك منهم، وفي كتاب الشُّرب مِن البٌخاريِّ مَن روى: <تُجْلَبَ> بالجيم، أراد تُجلَبَ لموضِعِ سقْيِها فيأتيها المصَدِّق، ولو كان كما قال لَقالَ: أن تُجلَبَ إلى الماء دونَ (عَلَى الْمَاءِ)، ولعلَّ البُخاريَّ يرَى رأْيَ الكوفيِّينَ أنَّ حروفَ الجرِّ ينوبُ بعضُها عن بعضٍ.
          وقولُه: (يُعَارُ) هو بياءٍ مثنَّاةٍ تحتُ مضمومةٍ ثُمَّ عينٍ مهملةٍ، كذا هنا ورُوي بالمثلَّثة، ورُوِيَ ((ثُعار أو يُعار)) على الشَّكِّ، ورُوي بالغينِ المعجَمَة، وفي باب الغُلول ((شاةٌ لها ثُغاءٌ أو يُعارٌ)) [خ¦3073] والثُّغاء للضَّأنِ واليُعارُ للمعْزِ، وقال ابن سِيدَه: اليُعار صوتُ الغنمِ وقيل المعز، وقيل: هو الشَّديد مِن أصواتِ الشَّاة، وقال الفَرَّاء: الثُّغارُ ليس بشيءٍ إِنَّمَا هو الثُّغاءُ وهو صوت الشَّاةِ، فيجوزُ أن يكونَ كُتِبَ الحرفُ بالهمزةِ أمامَ الألِفِ فظُنَّتْ راءً، وقال صاحبُ «الأفعال»: الثَّغورُ الشَّاةُ الَّتي تبولُ على حالِبها وتتغيَّر فيفسد اللَّبن.
          وقولُه: (بِبَعِيرٍ لَهُ رُغَاءٌ) هو صوتُ البعير.
          وقولُه: (مُثِّلَ لَهُ مَالُهُ) أي جُعِلَ مِثْلُهُ، يريدُ أنَّهُ يُجعَلُ له مالُه الَّذي كان لم يؤدِّ زكاتَه أو الزَّكاة لم يؤدِّها، والأوَّلُ أشبهُ بلفظِ الحديثِ كما قالَه ابنُ الأَثير في «شرح المسند» قال: ومثِّلَتْ يتعدَّى إلى مفعولينِ تقولُ: مَثَّلْتُ الشَّمع فرسًا، فإذا بُني لِمَا لم يُسمَّ فاعلُه تعدَّى إلى مفعولٍ واحدٍ فلهذا قال: (مُثِّلَ لَهُ مَالُهُ شُجَاعًا أَقْرَعَ) وفي رواية الشَّافعيِّ: ((شجاعٌ)) بالرَّفع لأَنَّهُ الَّذِي أُقيم مقام الفاعلِ الأوَّلِ لِـ (مُثِّلَ) لأَنَّهُ أخلاه مِنَ الضميرِ وجَعَل له مفعولًا واحدًا، ولا يكون الشُّجاعُ كنايةً عن المال الَّذي لم تؤدَّ زكاتُه، وإنَّما هو حقيقةً حيَّةٌ تُخلَقُ له تفعَلُ به ذلك، يَعْضُد ذلك أَنَّهُ لم يَذكُر في رواية الشَّافعيِّ مالَه بخلافِ روايةِ البُخاريِّ.
          وقولُه: (يُطَوَّقُهُ) وفي روايةٍ: ((وحتَّى يطوَّقه)) فالواو مفتوحةٌ أي حَتَّى يطوِّقَه اللهُ في عنقِه، أي يُجعَلَ له طوقًا، والهاء فيها كالأوَّل وهي المفعولُ الثَّاني لِيُطَوَّقَ، والمفعولُ الأوَّل مضمَرٌ فيه وهو كنايةٌ عن الشُّجاع، أي يصيرَ له طوقًا، فالهاء عائدةٌ إلى الطَّوق لأنَّ الطَّوق الحيَّةُ.
          والأقرعُ إِنَّمَا يَتَمَعَّطُ شَعرُ رأسِه لجمْعِه السُّمَّ فيه، وقال أبو سعيدٍ النَّيْسابُوريُّ: هو الَّذي ذهبَ لحمُ رأسِه ولصقَ جلدتُه، وإِنَّمَا يكون أقرعَ إِذَا كان مَرَّةً أشعر فقرع بعْدُ، وقال الأزهريُّ: الشُّجاعُ الحيَّةُ الذَّكَرُ، وسُمِّي أقرع لأَنَّهُ يَقْري السُّمَّ ويجمعُه في رأسِه حَتَّى تتمعَّط منهُ فروةُ رأسِه، وقال القزَّاز في «جامعه»: ليس على رؤوسِ الحيَّاتِ شَعرٌ ولكن لعلَّهُ يذهبُ جِلدُ رأسِه، وحكى اللِّحيانِيُّ فتْحَ الشِّينِ وضَمَّهَا، قَاَل ابنُ دُرَيدٍ: الكسْرُ أكثرُ في الجمع.
          وقال شَمِرٌ في كتابِه «الحيَّات»: هو ضربٌ مِن الحيَّات لطيفٌ دقيقٌ، وهو _زعموا_ أجرَؤُها. وقال في «الاستذكار»: قيل إنَّه الثُّعبانُ وقيل الحيَّةُ. وقيل: هو الَّذِي يواثِبُ الفارِسَ والرَّاجِلَ ويقومُ على ذَنَبِه، وربَّمَا واجَهَ الفارسَ ويكونُ في الصَّحَاري. قال: والأقرعُ الَّذي برأسِه بياضٌ، وقيل: كلَّما كثُرَ سمُّهُ ابْيَضَّ رأسُه، قال ابن خالَوَيْهِ: وليس في كلامِ العربِ اسمُ الحيَّاتِ وصفاتُها إِلَّا ما كتبْتُه في هذا الباب، فذَكَرَ أربعةً وثمانين اسمًا، وجزم ابنُ بطَّالٍ وابنُ التِّينِ بأَنَّهُ الحيَّة الَّذي يقومُ على ذَنَبِه وربَّمَا بلغَ رأسَ الفارسِ، وجزمَ ابنُ التِّين بأنَّ الأقرعَ الَّذي لا شعرَ على رأسِه لكثْرَةِ سمِّه ينحسِرُ عنه الشَّعرُ وهو أشدُّ أذًى.
          والزَّبِيبَتَانِ نُقطَتانِ منتفخَتانِ في شِدقَيْهِ كالرَّغوةِ يُقال إِنَّهُمَا يبرُزانِ حينَ يَهيجُ ويغضَبُ. / وقيل: إِنَّهُمَا نُقطتانِ سوداوانِ على عينَيْهِ، وهي علامةُ الذَّكَرِ المؤذِي، وسُئل مالكٌ عنهما _فيما حكاه ابنُ العربيِّ_ فقال: أُراهما شيئين يكونان على رأسِه مثلَ القَرنين، وقال الدَّاوُدِيُّ: هما نابانِ يخرجانِ مِن فِيهَا، وأنكره بعضُهم وقال: إِنَّهُ لا يوجدُ، وقيل: يخرجان على شِدقَيهِ مِن الرَّغوةِ كالزَّبيبتَينِ.
          وقولُه: (بِلِهْزِمَتَيْهِ) يعني شِدقيْه، هي بكسْرِ اللَّامِ، وقريبٌ مِن هذا التَّفسيرِ أَنَّ اللِّهْزِمَةَ اللَّحْيُ وما يتَّصلُ به مِن الحنَكِ. وحكى ابنُ سِيْدَهْ فيه خلافًا وهو راجعٌ إلى هذا، وعبارةُ ابنِ العربيِّ: هما الماضِغَتانِ اللَّتَان بينَ الأُذُنِ والفمِ، قال ابنُ دُرَيدٍ: لَهْزَمَهُ إذا ضرَبَ لِهْزِمَتَهُ.
          وتلاوتُه صلعم الآيةَ تدلُّ على أَنَّهَا نزلَتْ في مانعي الزَّكَاة. وقيل: إنَّ المرادَ بها اليهودُ لأنَّهُم بخِلُوا بصفَةِ النَّبِيِّ صلعم، فالمعنى سيُطوَّقونَ الإثمَ، وتأوَّلَ مسروقٌ أَنَّهَا نزلتْ في مَن له مالٌ فيمنعُ قرابتَهُ صلتَهُ، فيطوَّقُ حيَّةً كما سلفَ، وأكثرُ العلماءِ على أنَّ ذلكَ في الزَّكَاةِ المفروضةِ كما سلفَ.
          وادَّعَى المهلَّبُ أنَّ في الآيةِ السَّالفةِ فَرْضَ زكاةِ الذَّهَب، قال: ولم يُنقلْ عن الشَّارعِ زكاةُ الذَّهَب مِن طريقِ الخبرِ كما نُقلَ عنه زكاةُ الفضَّةِ. قلتُ: بلى صحَّ مِن حديثِ أبي بكر بن محمَّد بن عمرو بن حَزمٍ عن أبيهِ عن جدِّه عن النَّبِيِّ صلعم أَنَّهُ كتب إلى أهل اليمن بكتابٍ فيه الفرائضُ والسُّننُ والدِّياتُ مطوَّلًا، وفيه: ((وفي كلِّ أربعين دينارًا دينارٌ)) رواه ابن حِبَّان والحاكم في «صحيحهما».
          ثُمَّ قال: ونصُّ الحديثِ في الفضَّة ((وفي الرِّقَةِ ربعُ العشر)) قلتُ: قد قيل إِنَّهَا تشملُ الذَّهبَ أيضًا، قال: إلَّا أنَّ قولهُ (مَنْ آتَاهُ اللهُ مَالًا فَلَمْ يُؤَدِّ زَكَاتَهُ) يدخلُ في عمومِه الذَّهبُ والفضَّةُ، قال: وإِنَّمَا لم يُروَ زكاةُ الذَّهَبِ مِن طريقِ النَّصِّ عن رسولِ الله صلعم _والله أعلم_ لكثرةِ الدَّراهمِ بأيديهِم وبها كان تجرُهُم ولِقِلَّةِ الذَّهبِ عندَهم، وكان صرفُ الدَّنانيرِ حينئذٍ عشرةَ دراهِمَ، فعدَلَ المسلمون بخمْسِ أواقٍ مِنَ الفضَّةِ عشرينَ مِثقالًا وجعلوهُ نِصابَ زكاةِ الذَّهبِ، وتَواتَرَ العملُ به وعليه جماعةُ العلماءِ أَنَّ الذَّهبَ إذا كان عشرينَ مِثقالًا وقيمتُها مئتَا درهمٍ فيها نصفُ دينارٍ، إِلَّا ما اختُلِفَ فيه عن الحسنِ أَنَّهُ ليس فيما دونَ أربعينَ دينارًا زكاةٌ، وهو شاذٌّ لا يُعرَّجُ عليه.
          وذهبتْ طائفةٌ إلى أَنَّ الذَّهبَ إذا بلغتْ قيمتُهُ مئتي درهمٍ ففيه زكاةٌ، وإن كان أقلَّ مِن عشرين مثقالًا، وهو قولُ عطاءٍ وطاوسٍ والزُّهريِّ، فجعلوا الفضَّةَ أصلًا في الزَّكاةِ.