التوضيح لشرح الجامع البخاري

باب صدقة السر

          ░13▒ بَابُ صَدَقَة السِّرِّ.
          وَقَالَ أَبُو هُرَيْرَةَ عَنِ النَّبِيِّ صلعم: (وَرَجُلٌ تَصَدَّقَ بِصَدَقَةٍ فَأَخَفَاهَا حَتَّى لَا تَعْلَمَ شِمَالُهُ مَا صَنَعَتْ يَمِينُهُ) وَقال اللهُ تَعَالَى: {وَإِنْ تُخْفُوهَا وَتُؤْتُوهَا الْفُقَرَاءَ فَهُوَ خَيْرٌ لَكُمْ} [البقرة:271].
          الشَّرح: أَمَّا الآيةُ الكريمةُ فقد سلفَ الكلامُ فيها في البابِ قَبْلَهُ واضحًا، ومعنى أوَّلِها {إِن تُبْدُوا} أي تُظْهِروا، وفي {نِعِمَّا} قراءاتٌ ليس هذا موضعَها، ومعنى الإخفاءِ السِّرُّ.
          وأمَّا هذا التعليقُ فقد أسندهُ فيما مضى في بابِ مَنْ جلسَ في المسجد ينتظرُ الصَّلَاة [خ¦660] ويأتي قريبًا أيضًا [خ¦1423] وتأوَّلُوا الإخفاءَ فيه على صدقةِ التَّطوُّعِ، وهو ضَرْبُ مَثَلٍ في المبالغةِ / في الإخفاءِ لِقُرْبِ الشِّمَالِ مِنَ اليمين، وإِنَّمَا أرادَ بذلكَ أنْ لو أرادَ ألَّا يعلَمَ مَن يكونُ على شِمالِه مِن النَّاسِ ما تتصدَّقُ به يمينُه لشدَّةِ استتارِه، وهذا على المجازِ كقولِه تعالى: {وَاسْأَلِ الْقَرْيَةَ} [يوسف:82] لأنَّ الشِّمَال لا توصفُ بالعلمِ، وكافَّةُ العلماء على الإسرارِ في التَّطوُّعِ دونَ الفرضِ.
          وقولُه تعالى: {وَاللهُ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرٌ} [البقرة:234] أي في صدقاتِكُم مِن إخفائِها وإعلانِها وفي غيرِ ذلك مِن أمورِكُم، ذو خبرةٍ وعلمٍ لا يخفى عليه شيءٌ فهو محيطٌ به مُحْصٍ له حَتَّى يجازيَهم بالقليلِ والكثيرِ، فإنْ قلتَ: بَدَأَ المصنِّفِ بالحديثِ ثُمَّ بالآية وكان الأَوْلى عكسُه، قلتُ: كأنَّ والله أعلم أنَّ الآية في البابِ قبلَهُ نصٌّ فيهِ فأشارَ إليها ثُمَّ أردفَهُ بالأُخرى.